ميّز الله سبحانه وتعالى الإنسان على بقية مخلوقاته بالعقل , به يُفكر وعن طريقة يدرك ومن خلالة يستطيع التعامل السليم مع ما حوله من مكونات الطبيعة . ولن يكون للعقل أي قيمة مالم يكن هناك غطاء يحميه ووقاء يقيه شر نفسة ويفرض على الآخرين إحترامه , ويصد عنه كل ضرر قد يلحق به , ألا وهو الحياء , الحياء الذي يُعدُّ بمثابة الرداء الأخلاقي الذي يزيّن النساء ويكسو الرجال مهابة ووقارًا , ومن المعروف أن الحياء شعبة من شعب الإيمان .
يقول الشاعر :
وإنما الأممُ الأخلاقُ ما بَقِيَتْ
.............. فإن همُ ذهبتْ أخلاقُهُمْ ذهبوا
هذه المقدمة البسيطة دفعتني إليها مجلة المختلف , فمما لاشك فيه أننا نحترم بدايات المختلف الأولى عندما كانت تسعى لصالح الشعر والرقيّ بالمستوى الفني للساحة الشعبية قبل أن يمارس القائمون عليها مهنة الإسكافي بلا حياء من قبائلهم ولاخجل من أنفسهم , بتلك السيمفونية الممجوجة والتطبيل المهزلة التي لوثوا بها الذوق الشعري العام وشوهوا عن طريقها الذائقة الفنية للمتلقي , وذلك من خلال تلك الأضحوكة المسماة بصناعة النجوم وتلميع الشعراء , مع العلم بأن الشعراء رجال ولا يلمع إلا الشيء المُداس , وهم بهذه الطريقة يريدون سحق إرادة الشاعر قبل إبرازه للجمهور لكي يخلقوا منه رجلاً بلا كرامة وإنسانّا بلا قيمة , فلا كرامة له ولا قيمة تّرجى منه إلا بقدر ما يقدم لهم من تنازلات .
لقد تحولت هذه المجلة من منبر إعلامي شعبي شامخ إلى حاوية "قمامة" لكل من أراد التقيّء فيها باعتبارها واجهة الساحة الشعبية , باسم الشعر والحرص عليه , والعمل على خدمته . ولم يقف الأمر بهذه المجلة إلى هذه النقطة , بل أن سلالم الهاوية لازالت ممتدة لها كامتداد الأفق متسعة لابتلاع كل من سيتلاعب بالضمائر , ويتاجر بالذوق الفني , ويساوم على خدمة الشعر وهو في حقيقة الأمر فاقد هذه الخاصية في ذاتية نفسة قبل أن يحاول منحها للآخرين .
لقد تباشرنا خيراً القادم وقلنا عسى أن يكون الإسكافي الجديد خير من صاحبه الهالك المليء بالعقد النفسية المزمنة , والذي صدم كل من له ذرة عقل بما يطرحه من معلومات خاطئة وفهم مغلوط لا علاقة له بالشعر في تحكيم مسابقة شاعر المليون , وعندما حل الجديد مكان صاحبة , أدركنا أن ((سعيد مثل مبارك )) , وكأن ناصر السبيعي لا يستعذب الجلوس إلا وراء وجوه إسفنجية قادرة على امتصاص كل ما يقال فيها ولديها قابلية لتحمل كل منقصة وابتلاع كل مذمة .
من المعروف بداهةً , ولكل متتبع لمسيرة المختلف عبر كل تلك السنوات الماضية , يعرف أنها تركز الإهتمام على بقع جغرافية معينة دون الاهتمام بالفضاء الجغرافي العام للمنطقة , علماً بأن الجميع ينتمون لنفس الإقليم , وكأن المسألة مسألة تصفية حسابات تاريخية , اعتمدت على الجغرافيا لخلق حالة من التوازن النفسي بينها وبين التاريخ .
أمام هذه المعطيات الخطيرة التي رصدناها للمختلف , لم يتبقَّ من هذه المجلة والقائمين عليها , إلا إخراج الشعراء بملابسهم الداخلية , أو وهم يمارسون حاجياتهم الخاصة لتحقيق سبق صحفي أو ((خبطة )) إعلامية , حتى لو كان ذلك على حساب الكرامة الإنسانية والذوق الاجتماعي العام .
إننا بحاجة لخروج ذلك الجالس وراء الكواليس , أولاً : شفقةً عليه حتى يلامس الشمس , وتعود إليه الدماء من جديد . وثانياً : وبعد حصول ما قلنا له في النقطة السابقة , يأتي دور محاسبته على كل هذه الإنزلاقات والانهيارات الجليدية التي حصلت في الساحة الشعبية برعاية المختلف . أم لعله اسنعذب العيش خلف الكواليس , ولا يروق له الجو إلا بتحريك الدمى الخزفية المهترئة , أو تراه لا يجيد إلا إمتطاء المرضى وذوي العقد النفسية الذين يشعرون بوجود خلل سيسكلوجي لا يستطيعون عبوره .
لقد تصبرتُ كثيراً عن الإمساك بالورقة والحديث مع القلم , كل تلك الأسابيع , بل كل تلك الشهور وكل تلك السنوات , إلى أن رأيت ما هالني وهال الجميع من المتابعين وخاصةً أولئك الذين قرأوا العدد رقم ((192)) , حيث صُدمتُ كما صدم غيري , وخاصةً ذوي الرأي السديد والذوق السليم والضمير الإنساني الحي , بإعلان منشور لشاعر لم نعرف منه إلا الصراخ والصياح وإتقان مهارة التسول في شعره خلف مكبرات الصوت , وإزعاج المستمعين بما يلقي في مسامعهم ما يظن بأنه شعر وما هو من الشهر في شيء .
إنني لا أكن حقيقةً لشخص الشاعر الكريم محمد بن الذيب إلا كل إحترام ولا أحمل له في قلبي إلا كل تقدير , فهو ومهما اختلفنا معه يظل رجلاً لابد من إحترامة , كما أنه ينتمي لقبيلة عربية كريمة الأصل والحسب , وهو في النهاية يشاركنا مواطنة هذا الخليج العربي الغالي إلى قلوبنا والحبيب إلى أنفسنا . من حق الشاعر الكريم محمد بن الذيب أن يقول ما يشاء من شعر , فكلٌّ له جمهوره وكلٌّ له مريدوه , فهذا شأنه الخاص وتلك تجربته وذلك نهجه الذي عُرف به , لكن أن ينصب نفسه ملكاً وإمبراطوراً وسيداً للساحة , فهذا ليس له ولا يمتلك هذه الصلاحية , وسنقول له : قليلٌ من الحياء يا بُنيّ , فما هكذا تورد الإبل . إن هذه الساحة الشعبية المليئة بالأعداد الهائلة من المبدعين والشعراء على جميع المستويات , ومن كل الطبقات الإجتماعية كالأمير الشاعر خالد الفيصل والأمير الشاعر بدر بن عبدالمحين والأمير الشاعر عبدالرحمن بن مساعد والشيخ الشاعر محمد بن راشد آل مكتوم والشيخ الشاعر سلطان بن سحيم والعديد العديد من الأمراء والشيوخ من أبناء الأسر الحاكمة الكريمة في المنطقة , ناهيكم عن إخوانهم وزملائهم في تقاسم هذا الهم الإنساني الجميل كفهد عافت ومسفر الدوسري ونايف صقر والحميدي الثقفي وبدر الحمد ومساعد الرشيدي وسعد الحريص وطلال حمزة وغيرهم وغيرهم من الأسماء الجميلة التي حُفرت في الذاكرة , ليأتي هذا الرجل مع إحترامنا لشخصة الكريم لينصب نفسه عظيماً على هؤلاء , وسيداً عليهم وملكًا يأتمرون بأمره وإمبراطوراً يدورون في فلكه , ورحم الله القائل هذه المقولة الإنسانية العظيمة الصادقة " رحم الله إمرأً عرف قدر نفسة " , وما يهمني من هذه المقولة نفسه الشعرية لا نفسة الآدمية , فهذا ليس مجال الحديث عنها , وكل ما يعنيني الشعر فهو بضاعتنا , عنه نكتب , ومن أجله ندافع , ونحن هنا لا نطالب الشاعر محمد بن الذيب بإحترام نفسه , فهذه مسألة تخصه وأمر يعنيه , فكل ما نريده منه إحترام الجمهور , وكذلك نطالب المختلف من وراءه بإحترام مهنة الصحافة وأمانة الكلمة وعدم التطبيل الأحمق الممجوج , غبر أن المختلف سقطت , ومن لذّ له السقوط عَسُر عليه الصعود ,نعم ... لقد سقطت المختلف من برجها العاجي الجميل وصارت تمارس مهنة الإسكافي بلا حياء .
إن المتتبع لمسيرة المختلف يُدرك تمام الإدراك , أنها كانت تسعى كل تلك السنين لصناعة عوالم من الورق , من خلال الاهتمام بالشكليات على حساب المضمون , والعمل الفني الجاد في محاولة منها لإقناع القارئ أن لديها القدرة على تحويل الرمل إلى ذهب , ولكن سقطت ورقة التوت عن الجميع وأصبحت المختلف والقائمون عليها يبحثون لتحقيق ملاذ لهم عن ضمائر الناس الحية .