ولدت .." تليلة عبدالله غانم المهندي " ( صدى الحرمان)..يوم
الاثنين الموافق 23/9/1962 م ، وكان ترتيبها الرابعه بعد ثلاث أخوات.
ولدت وكان يبدو على جسمها الضئيل بوادر الاعاقه بتشوهات بسيطة
في العظام ، لكن ذلك لم يمنعها من المشي كغيرها من الاطفال ،
بل وحتى الجري معهم فكثيرا ما كانت تطلب من والدي " رحمهما الله" ان يتركها تتسابق مع اولاد عمي وكانت تسبقهم في اغلب الاحيان.. وكانت انذاك في الخامسه من عمرها .
دخلت المدرسة وعمرها ست سنوات وبدأت ظواهر المرض تعيقها عن اكمال دراستها حيث توقفت عن الدراسه في الصف الخامس الابتدائي..وذلك نتيجة لأزمات الربو المتكرر ،وفي الرابعه عشرة من عمرها تقريبا بدأت اول رحلة علاج لها الى لندن ، حيث تعرضت لأكبر امتحان في حياتها ، عندما صارها الطبيب بحقيقة مرضها بالتفصيل وعن مضاعفاته الخطيره.
هذه المراهقة الصغيره ..هذا الجسد الضعيف..هذا الاحساس المرهف..هذا القلب الصغير..؟
كيف تتحمل هذه الصدمات ..كيف تتحمل موت الأمل بالحياة الطبيعية..انتهت الاحلام الورديه وانتحرت الآمال على صخرة الواقع المرير...
هنا بدأت مأساة صدى الحرمان الحقيقية..رجعت للوطن وبيدها عكاز ..اضافت عليها الضروف عكازا هانيا وحين بلغت العشرين من عمرها ، بدأت صدى تكتب ..تحكي معاناتها ، كانت تتوسل الى الله أن يأخذها الية لترتاح من معاناتها ومن العذاب الذي تعيش فيه.
وفي عام 1984 م بدأت تتوهج موهبتها الشعرية وتتجلى في سماء الساحة القطرية والخليجية ..حينها بدأت صحتها تسوء اكثر ، الامر الذي اجبرها ان تستخدم الكرسي المتحرك عام 1985 بالاضافة الى العكازين ،حيث كانا يساعدانها على النهوض من على الكرسي والجلوس علية والمشي لمسافة قصيرة.
خلال هذه الفتره ورغم المعاناة ، بدأت بالظهور على مجتمعها اكثر واكثر وذلك من خلال مشاركاتها في الامسيات الشعرية والاقتراب من جمهورها الذي كانت تحبة ويحبها ، حيث استطاعت ان تتحرر من حزنها وتتغلب على اآمها وذلك بالخروج من عزلتها والاقتراب من كل من هم حولها ، حيث اصبحت معروفة داخل وخارج قطر ..الامر الذي جعل مجلة أخبار الاسبوع سنة 1989 ان تخصص لها صفحة بعنوان ( انامل الوطن )..كما خُصصت لها صفحة " عزف على الورق" بجريدة الشرق القطرية ،ولكن المرض لم يتركها ،حيث ساءت حالتها الصحية اكثر ، وزادت معاناتها وزاد المها الامر الذي جعلها تتمنى الرحيل عن هذا العالم الى عالم اخر..
فكتبت عام 1991م تقول:
استحلفك ..استحلفك
لاغبت عن دنيا الوجود
وصار استحالة اني اعود..
واصبح وجودي ذكريات
وصوتي حنين الاغنيات
وشعري محطة للألم
اياك حبي والجحود
وفي عام 1993 كانت رحلتها العلاجية الى لندن ...واثناء فترة علاجها هناك كتبت هذه الابيات تصف فيها حرارة شوقها الى الوطن والاهل إذ تقول :
هزني صوت هتف في مسمعي يبغي الرحيل "="يم الديار اللي لها بوسط قلبي منزلة
يوم أنعدم نور الأمل عزيت نفسي بالقليل "="ورحت ادوّر عن جواب اتعب ظنون الاسئلة
...الى اخر القصيده
وبعدها عادت صدى الى الوطن وهي لا تستطيع الاستغناء عن كرسيها المتحرك..فأنشدت تقول..:
لاتراخت عزومي امتطيت الخيال"="وصرت اعمق بحور الياس حب ومواني
وفي عام 1995 طبع لها ديوانها الأول " رحلة ايامي " وضم اجمل قصائدها ومن بينها القصيده التي قالت انها وضعت حروفها على سلم الشعر ..والتي تقول فيها ..:
أنا والليل وصرخاتي يرددها صدى الحرمان "="انا انشلت احاسيسي وسجل حزن مرثية
أنا رحلة عذاب وصمت تصلح للشقا عنوان "=" اخط حروفها بدمي فوق سطور وهمية
وقد سُئلت مره " رحمها الله"..من هي صدى..؟..فقالت..:
ألم وجروح وهم ويأس قاتل "=" وهذا الحنين اللي جذبني بلا مدى
ومن طيب اصلي ماتلون ولا اجامل "=" وهذا المزيج اللي يكونّي صدى
وسُئلت عن الحرمان ؟ فقالت .. :
ذاك الشبح اللي يهدد حياتي "="يبغيني اخضع له بأية طريقه
من يوم ميلادي هزمتة بسكاتي "=" مير البلا وجوده حقيقه
يتبعني الحرمان حتى وفاتي "=" وهو اللي بأيدينة يخط الوثيقه
وفي عام 1997 بدأت صحتها بالتدهور اكثر واكثر ، واثناء هذه الفترة كتبت قصيدتها التي قالت انها ندمت على كتابتها لشدة ما بها من يأس وتشاؤم حيث قالت فيها :
هدي سنينك اكثر العمر قد راح "=" ياماخذٍ مني سنينٍ عجالة
باقي سنة والكل منها بيرتاح "=" باقي سنة ونروح كلٍ لحالة
ياما تحملنا من احزان وافراح "=" وياما مشينا الدرب صعب وسهاله
ياما خفينا من عضيمات الاجراح"=" نضحك مثل منهو زمانة صفالة
لاتسأليني واكثر الدمع فضاح "=" لا تسأليني عنه لية انهمالة
تحمليني يوم مني الحعزم طاح "=" تدرين هم الجرح صعب احتماله
باقي سنة والهم عنا بينزاح "=" ويغيب صوتي والقلم وانفعاله
باقي سنة والهم عنا بينزاح "=" ويغيب صوتي والقلم وانفعاله
وفي نوفمبر من نفس العام الذي كتبت فيه القصيده انهارت " الصدى " ووقع الهرم العظيم المليء بالاحزان والآلام ..وعجزت محاولات الاطباء عن اعادتها للحياة.
حيث ظلت سجيتنة الاجهزة والانابيب ونقلت بالطائرة الى لندن.
وكانت تلك اخر رحلة لها الى لندن حيث فقدنا الأمل بعودتها لنا سالمه ـ وكنت ارافقها في تلك الرحلة وهي تعاني معانة لا يمكن ان تصفها الكلمات..وكان ما كان..
وبعد فترة علاج مؤلمة عادت صدى الى الوطن وقد فقدت كرسيها المتحرك الذي طالما تنقلت عليه لترقد على سرير المعاناة الذي لم تتتركة للحظة واحده..فقد فقدت النطق والسمع وقل نظرها وحرمت من القراءة والكتابة، وظلت هكذا لشهور عدة..ولكن بأرادة الخالق وبقدرتة بدأت تتعافى تدريجيا وبدأ يعود لها سمعها ونظرها ونطقها ، وبدأت تكتب بعد ان مر عليها عام كامل في المستشفى طريحة الفراش ، وجاء العيد واشتاقت لجمعة الاهل فكتبت بعد انقطاع تقول .. :
كلما هز غصني من هواكم هبوب "=" فزّت عروق قلبي واتجة للشمال
غصب عني وعنكم ساكنة بالجنوب "=" لاقويت المسير ولاقويت الوصال
من غلاكم عيوني هايمة بالدروب "=" لاهما طيف احدكم قمت اصوت تعال
وعادت للبيت مع اجهزتها وهي مثال للأنسانة الصابرة وصادف وان جاء ذكرى ميلادها 23/9/2000 فتأثرت لحالها فكتبت هذه الابيات .. :
اشرحي لي يا عيون دمعها عيت تسيلة "=" من بكا مثلك سنين ولا فقد حلم الامان
علميني منهي عانت مثل ما عانت تليلة "=" منهي ردت طعنة الغير ابتسامات وحنان
ثم كتبت في 25 /4/2001 قصيدتها التي تصف فيها كل مشاعر الألم والحرمان والأسى ..بعنوان " بس لو هالجرح يبرى " ..
ما بقى من حلمي اللي كنت اعيشة غير ذكرى "=" ولا بقى لي من شديد العزم غير أغلى البقايا
وفي عام 2002 صدر لها ديوان " رحلة ايامي " الطبعة الثانية وشاركت في العام نفسة في اوبريت" نقطة قوة " لذوي الاحتياجات الخاصة.
وكانت خلال هذه السنوات الأربع الاخيرة تنتقل بين المستشفى والبيت بين فترة واخرى ، وبالرغم من تضاعف المرض عليها خلال هذه الفتره الا انها كانت من اسعد سنوات عمرها لانها استطاعتان تكون لها قاعدة جماهيرية عريضة واستطاعت ان تكوّن لها صداقات من كل الدول ا لعربية وكانت علىاتصال دائم بهم .
ومن قصائدها المغناة التي تغى بها بعض المطربين :
* تكفى حبيبي لاتنام " فتى رحيمة "
* أبد لا تحزني يمة " غانم شاهين "
* غربة " طلال سلامة "
* من يقول الحب كذبة " سعد حمد "
* كل هذه القسوة فيك " صالح حسن "
* غيمة أشواقي " ناصر صالح "
*تعال " خالد سالم "
*أنا راحل " علي فهد "
وفي 12 /8/2002 م دخلت صدى المستشفى وهي تشكي من ضيق وصعوبة في التنفس وبصورة تختلف عن المرات السابقة ، وكعادتها عانت بصمت وصبر حتى توفاها الله يوم الاحد 18 /8/2002 الساعه الثامنة والنصف مساء..
رحلت صدى الحرمان وخلّت ورئها الأحزان والدموع تبكيها ، والاقلام الوفية تنعيها ..نعم كان رحيلها قويا بقوة صمتها ، عنيفا عنف المها ، عظيما بعظمة صبرها ..
هذه هي صدى الحرمان بقلم شقيقتها الكبرى ظبية المهندي.
رحمها الله..
المصدر ..
مجلة بروق العدد الأول
نور...