رب يسر وأعن.
***
في حوالي عام 20 هـ. كان فتح مصرعلى يد الصحابي الجليل عمرو بن العاص، رضى الله عنه ، وصار هو أول ولاتها من المسلمين، ومنذ ذاك الحين يبدأ التأريخ لمصر الإسلامية، وأنا أحب أن أصف هذا الفتح بأنه عملية إعادة لمصر إلى الإسلام والتوحيد، على يد أبناء الشرعة الخاتمة، فهذه البلدة الطيبة بلاد توحيد منذ آدم وإلى نوح عليهما السلام، ومن بعد نوح حينما نزل بها أبنائه الموحدين بعد الطوفان، فوقوع الشرك والوثنية فيها دائماً ما يكون أمراً عارضاً بخلاف الأصل، وسرعان ما تؤوب، ثم جاء الفتح الإسلامي ولم ترتد مصر بحمد الله ومنته وفضله من يومها عن الإسلام حتى يأتي من يفتحها مرة أخرى باسم الإسلام، طبعاً حتى جاء الإخوان ومن خرج من عباءتهم فكان لهم رأي أخر.
صارت مصر بعد فتحها على يد الصحابة رضي الله عنهم، قلعة إسلامية، يأرز العالم الإسلامي إليها وقت المحن والشدائد، ومهما كانت الأوضاع، ومهما بدت مصر للرائي ضعيفة هشة، سرعان ما يكتشف أن هذا الضعف وهذا الخور والهزال ما كان إلا مرض عابر، كبوة ، سحابة صيف، سرعان ما تنقشع وتعود مصر بفضل من الله إلى وضعها المقدر لها من لدن ربها، درع الإسلام وسيفه وقت أن يقال: لا درع ولا سيف، وهذا الكلام ليس من قبيل التفاخر والاستعلاء وإنما هو قدر مقدور، وتكليف لا تشريف، وثمن يبذل بالنار والدم، دفعته مصر عبر التاريخ، وستظل تدفعه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فهي الأرض التي يلجأ إليها المسيح عليه السلام في أخر الزمان ، ليحتمي من يأجوج ومأجوج، بأمر من الله، "أحرز عبادي إلى جبل الطور".
وقد تعاقبت على مصر عدة دول إسلامية عبر التاريخ، فبعد عصر الولاة من قبل
الخلافة الراشدة، ثم الأموية، ثم العباسية في عصرها الأول، حتى العصر العباسي الثاني فبدأ الضعف وبدأ عصر الدول المنفصلة والتابعة إسمياً للخلافة، حتى جاء بنو عبيد المنتسبون زوراً إلى فاطمة الزهراء، وهي منهم براء، فنكبت مصر بهم وبمذهبهم الغالي، ولم تتشيع مصر بحمد الله ولم ترتد إلى عقيدة الروافض الغلاة، بل ظلت سنية معتصمة بكتاب الله وسنته وأهلها في الجملة في عافية، والضلال والزيغ يكاد ينحصر في طائفة الحكم القادمة من بلاد المغرب، ثم جاء صلاح الدين إلى مصر بجيشه ودخلها، وأعاد المذهب السني للدولة، ومع ذلك لم يسمي أحد دخول صلاح الدين مصر بالفتح الأيوبي، لماذا؟ ولماذا يصر البعض على لصق مصطلح الفتح بدخول أبناء عثمان لمصر، لماذا العبث بهذا المصطلح الذي قد يستعمله البعض سياسياً ولهذا المصطلح ما له من خلفيات شرعية.
الدولة العثمانية دولة مسلمة سنية بالمعنى العام ( كل من ليس شيعياً فهو سني بالمعنى العام)، وهي قائمة على التصوف الغالي، وقد تغلبت على دولة أخرى مسلمة سنية بالمعنى العام، قائمة على التصوف أيضاً، وهم المماليك،غلبتها بالسيف فدانت لها وصارت تابعة لها بحكم السيف، فلماذا يتم إضفاء مصطلح الفتح على تغلب العثمانيين بالسيف دون غيرهم، وهو عمل متكرر عبر التاريخ، فكم من دولة مسلمة غلبت أختها بالسيف، قدغلبت الدولة العباسية الأموية بالسيف، ولم يقل أحد الفتح العباسي، فهناك وراء الأكمة ما وراءها كما يقال، هناك عثمانيون جدد، يريدون إحياء دولة بادت وانتهت ولم تكن دولة خلافة راشدة، بل كانت دولة دروشة وخرافة، تحارب السنة وأهلها، وتقتلهم، وهؤلاء العثمانيون الجدد لا يقلون عنها دروشة. والخلافة التي تكلم عن عودتها الرسول صلىى الله عليه وسلم، هي خلافة على منهاج النبوة، لا على منهج شيوخ الطريقة البكتاشية الضالة عن منهاج النبوة، نعم سيمت الدولة العثمانية في التاريخ في بعض مراحلها بالخلافة، ولا مشاحة في الاصطلاح، فقد سميت دولة العبيديين الروافض بالخلافة الفاطمية، فماذا كانت؟ واقع ما له من دافع، فكم لقب حكام الدول الإسلامية أنفسهم بالقاهر، و الظاهر، و الصالح، فصار لقبه التاريخي، لكن هل كان قاهراً ظاهراً أو صالحاًعلى الحقيقة؟ نعم تلك هي المشكلة مع دراويش الدولة العثمانية ، نعم يا سادة كانت تسمى خلافة تاريخياً وفي فترات متأخرة من عهدها، لكنها لم تكن على منهاج النبوة.
أما دخول الدولة العثمانية لمصر، فقد كان دخولاً دامياً، ويوماً أسوداً من أيامنا، ومع ذلك إطلاق مصطلح احتلال على هذا الدخول، وما له من مدلول له معناه الشرعي والعرفي، فهذا أيضاً من قبيل العبث بالمصطلحات، أنت يمكنك ان تطلق على دخول أي جيش دولة لدولة أخرى احتلال بالمعنى اللغوي، بل يمكنك أن تسمي صعود رماة المسلمين يوم أحد فوق الجبل بأمر النبي، عليه السلام، أنهم احتلوا الجبل بالمعنى اللغوي للكلمة، لكن ماذا لو كنت تقصد المعنى الشرعي، أو المعنى المتعارف عليه دولياً اليوم، فماذا ستكون النتيجة؟
فالحق أن إطلاق لفظة احتلال هكذا بإطلاقها على دخول الدولة العثمانية لمصر ليس صواباً، والذي يطلقها لا يريد المعنى اللغوي في الغالب كما هو متبادر للذهن، وهذا في المقابل كخطأ إطلاق لفظة فتح على نفس الموقف، أي أنه تطرف في الاتجاه المعاكس، لأن الفتح له معنى لغوي ومدلول شرعي، فقد يكون دخول العثمانية مصر فتحاً لهم هم ، لكنه كان بالنسبة لمصر فتحاً مع استبدال التاء بالشين، والحاء المهملة بالخاء. و أيضاً من باب العدل حتى مع من ظلم ، ليس دخولهم كدخول المحتل الكافر، مثل الإنجليز أو الفرنسيس. فهؤلاء لا سمع لهم ولا طاعة حتى وإن تغلبوا، بل الحرب حتى يتم إجلائهم عن ديار الإسلام، أما الدولة العثمانية فهي دولة مسلمة متغلبة بعد قتال ومقاومة شرسة، فلما غلبت، انتهى الأمر، ودانت لهم البلاد والعباد كما هو الحال مع أي حاكم مسلم متغلب،ولم يتكلم أحد عن أنهم احتلال لابد من مقاومته حتى يزول. وأخيراً أسأل الله أن يوحد كلمة المسلمين ويجمع قلوبهم حكام ومحكومين، لأن الفترة التي تمر بها الأمة هي من أحلك الفترات، إن لم تكن أحلكها. ولا نجاة لنا إلا بالاعتصام بالكتاب والسنة ونبذ الفرقة، لا باختلاق الصراعات الحزبية، واستغلال التاريخ في تلك الصراعات استغلالاً سياسياً حزبياً يسئ لنا وللتاريخ.
والحمد لله في الأولى والآخرة.
كتبه عمر مصطفى