.
أقامت دارة الفنون – مؤسسة خالد شومان :
محاضرة للناقد الدكتور: فيصل درّاج
حملت عنوان: " المسرح والسياسة وراهنية سعد الله ونوس "
استهل د. دراج محاضرته بالقول:
في مطلع صيف 1982 م كان سعد الله ونوس يهجس بكتابة مسرحية عن « السلطان وابن خلدون » ، التي تتأمل علاقة المثقف بالسلطة ، وذلك في فترة انتقل فيها المثقف العربي من « النقد السياسي » إلى « النقد الثقافي » ، وأصبح فيها نقد الأول سؤالاً نويرياً بامتياز. كان المسرحي السوري ، آنذاك ، في بيروت ، قبل أن يلزمه الهجوم الإسرائيلي بالعودة إلى دمشق. كان في السؤال ما يفصح عن منظور « فنان مسرحي »، أدمن الربط بين الكتابة ونقد السلطة ، وما يحتج على تحوّلات مثقف عربي، مسيطر، نقل مشاغله من سؤال أساسي إلى أسئلة ثانوية. وأضاف قائلا: « ولد المسرح سياسياً »، كان يقول ونوس وترجم قوله بصيغة شعرية:] المسرح مكتوب على جدران الريح ]. ناظراً إلى علاقة المسرح بالحياة ، فلا وجود لمسرح بلا جمهور، ولا وجود لجمهور متحرّر من أسئلة الحياة، إلا إذا كان غافلاً عن أمور حياته ، أو كان في حياته ما يوزّع عليه الغفلة والجهل والارتياح إلى القدرية ، و كان في القول ما يؤكد الوظيفة الاجتماعية للعمل المسرحي ، التي تنطوي على الإنارة والتحريض، وكان فيها بداهة ، الشكل المسرحي الموائم الذي يستدعي المتفرّج ويوقظ فيه أسئلة كان غافلاً عنها. ولعل ذلك الشكل الذي يوحّد بين الفرجة المسرحية والمتفرّج ، هو الذي دعا ونوس إلى « توظيف التراث »، كيف يخلق إلفة بين شكل العرض المسرحي والمتفرّج.
ورأى د. درّاج في ترهين التراث عند سعد الله ونوس ما يحقق أمرين: التحرر من الأشكال المسرحية الغربية أو المتغربة ، كما التأسيس لمسرح عربي ، ونقد الواقع المعيش بعناصر جمالية ، يأنس إليها المتفرّج العربي، ولا يشعر إزاءها بالغربة. وواقع الأمر أنّ ونوس لم يكن يقترح صيغاً مسرحية جاهزة ، أكانت تستلهم التراث أم مسرحيات غربية ، بل كان يعمل على توليد طليق لمسرح عربي حديث ومتجدد، اتكاء على مفهوم: الجمهور المسرحي فالتراث لا يقصد لذاته ، ولا وجود لمبرر شكلاني للذهاب إلى بيتر فايس، ذلك أن القصد والمبرّر يردّان إلى المتفرّج دون غيره.
ولهذا دعا ونوس، في كتابه « بيانات لمسرح عربي جديد » عام 1970م إلى تحطيم العلاقة التقليدية بين الخشبة والصالة ، من أجل علاقة جديدة بين الممثل والمتفرّج ، تقوّض الحواجز بينهما ، وتعترف بالمتفرج كياناً مستقلاً بذاته، بعيداً عن المراتب والحواجز، وما يشعر المتفرج
« بسلبيته » أو
« هامشيته ». وبيّن د. درّاج أن ونوّس أضاء تجربة « أبي خليل القباني »، المسرحية بشكلين:
* توقف أمام العلاقة بين المسرح والجمهور، اللذين يشكلان علاقة واحدة، طالما أن المسرح يمتد في جمهوره،
* وتوقف ثانية أمام دور المسرح في « إيقاظ » المتفرج ونقد الظواهر التي تكرّس صمت المضطهدين.
ولهذا وضع دراسة ممتازة عنوانها:
لماذا وقفت الرجعية ضد أبو خليل القباني؟ واستصدرت قراراً سلطانياً يقضي بإغلاق مسرحه، ثم أحرقته وأتلفت ما فيه، وصولاً إلى تحريض الصبية على « ابي خليل » والتجرؤ عليه، وكما احتفى ونوس بأبي خليل القباني، لأنه كان يشرك الجمهور في « إخراج » مسرحيته، ويضع فيها أفكاراً تنقد التقليدي المتقادم، وتعارضه بما هو حديث. كان ونوس، في مسرحيته « حفلة سمر من أجل 5 حزيران » 1969م قد أشرك بدوره الجمهور في «العرض»، وفتح العرض على المجتمع والسلطة، إذ الأول يسأل وإذ الثانية « تعتقل »، العرض والمجتمع معاً. ولفت النظر إلى أن سعد الله ونوس قد انشغل طويلاً بسؤال السلطة السياسية ، قبل أن يلتفت لاحقاً، إلى ما خارجها.
وأكد د. درّاج في نهاية محاضرته أن ونوس أراد بمسرحة «تغيير المجتمع»، إلى أن اكتشف أن التغيير المنشود يتضمن « عناصر تغييرية كثيرة ». فمن العبث الركون إلى دور « جذري » للمسرح في مجتمع لا تنوير فيه ولا ثقافة ولا حرية، وكما اطمأن ونوس إلى وظيفة المسرح وأراد تغيير المجتمع، وأقنعته التجربة أنّ المجتمع المنشود تغييره، مسرحياً، يحتاج إلى تغيير مسبق كي يعي معنى المسرح والسياسة والثقافة.
,