فتاة تقف في محطة قطار مانشستر وقد أمسكت بكلتا يديها كفي شاب تتشبث بهما لئلا يهرب به القدر، بينما هو غير مكترث بتلك اليدين التي أمسكته ..
. جمود عاطفي تجاهها !!
على مدى عامين وهي تأخذه من عيادة إلى أخرى بحثا عن علاج لإعتلاله العقلي الذي محا ذاكرة حبهما الذي استمر عام قبل أن يصحو ذات يوم ولا يجد لحبهم المزعوم أي ملف في ملفات ذاكرته الغرامية !!
ذلك الإعتلال العقلي الذي أصابه ذهب بظنونها كل مذهب إذ لم يمحُ من ذاكرته سوى حبهما !!
هل هي حيلة اتخذها لكي يذهب في مغامرة غرامية بعيدا عنها ؟ خصوصا عندما علمت أن بائعة ورد قد ضربت معه أكثر من موعد وتحدثت إليه فضلا عن إهدائها إياه ورودا وزهورا من دكانها !!!
بائعة الورد هي التي دفعتها أن تأتي به إلى محطة قطار مانشستر التي ألتقيا بها لأول مرة !!!
لم تدخر جهدا في إنعاش تلك الذاكرة المهترئة فعلت كل شيء ، ولم يتبقَ إلا أن تأخذه إلى المكان الذي انطلقت منه شرارة حبهما ولقاءهما الأول !!
حيث التقيا لأول مرة في شهر سبتمبر في محطة قطار مانشستر وجلسا بجوار بعضهما طوال الرحلة على مقعدين متلاصقين وهما في طريقهما إلى لندن!
أقبل القطار فصعدا وأجلسته على المقعد ذاته الذي شهد لقاء الحب الأول وجلست بجواره تسرد :
هل تذكر هذا المقعد ؟!
هل تذكر حديثنا عن الجامعة ؟!
هل تذكر الصمت الذي ساد المكان إذ أبديت إعجابك بخصلة الشعر المنسدلة على ناصيتي آنذاك ؟!
ألا تذكر دفء أيدينا إذ التقت وكل منا يحدق في عيني الآخر؟!
ألا تذكر الإبتسامات الخجولة والخائفة في آن ؟!
....................!!!!
أمضت الطريق كله في سرد الذكريات متسائلة إن كان يتذكر أم لا ؟!
بينما هو صامت ولا ينبس ببنت شفة سوى إيماءة رأسه التي تعني انه لا يتذكر !!!
وصلا لندن واستمرت تسرد الذكريات ، ذكرياتهم في لندن ، ابتاعت وردة حمراء من الدكان ذاته الذي كان قد ابتاع منه وردة
حمراء وأهداها إياها !
أمسكت بيده وعبرت به الأزقة ذاتها التي كانا قد عبراها فيما مضى وأيديهما متشابكة !!!
جلست على الطاولة ذاتها واجلسته أمامها وطلبت المشروب ذاته !!!
ولكن .......ولكن ... دون جدوى ....!!!
لم يتذكر !!! ...
وهنا سئمت !!! .... انفجرت باكية وصرخت به !!!
صاحت به :
أنت تدعي النسيان !!
أنت لا تحفظ عهود الحب !!
أنت تتخذ النسيان حيلة لتفوز ببائعة الورد !!
أنت جبان !!!....لا تجرؤ على مواجهتي بالحقيقة !!
أذهب للجحيم !!!!
وهنا بدأ يهدئ من روعها مبررا :
صدقيني أنني لا أذكر شيئا !!!
أرجوك تفهمي !!
وقبل هذا وذاك تذكري أنني استجبت لرجاءك وتكبدت عناء السفر نزولا عند رغبتك !!
أنا أرى هذا الأمر عبثا أن آتي مع سيدة تدعي أن حبا قديما كان يجمعنا !!
سيدتي ، أنت تعرفين معنى الحرية ، وحريتي في أن تبتعدي عني !! ولا أريد شكرا لقاء حضوري معك لهذا المكان !!!
قال هذه الكلمات ووقف بجوار سكة القطار ليعود إلى مانشستر !!!
وهنا ... وهنا وقفت بجواره تنتظر القطار الذي سيعود بهما إلى مانشستر !!
ذلك القطار الذي ما أن يقف في مانشستر حتى يقف فيها نبض حبهما !!
تساءلت :
كيف يطيق فؤادي أن يرى بائعة الورد تستوطن فؤاده !!!!
وهنا تسارع نبضها وزمت شفتيها ونظرة إليه بنظرة امتزجت بالأمر الذي عزمت على فعله !!
وما أن أقبل القطار حتى ألقت بجسدها على سكته ليجدها طعما مستساغا ألتهم اللحم وحطم عظامها !!!
ضجة محطة قطار لندن بالحدث المفجع والمرعب !!!
صرخ الجميع وصرخ معهم !!
لكن صرخته أيقظت كل ذاكرة الحب التي كانت تحاول على مدى عامين إيقاظها !!
انفجر باكيا وهو يرى الجسد المهشم تحت القطار تحاول أيدي المنقذين لملمة أجزاءه !!
صدمة وإغماءة ألزمته السرير الأبيض في لندن ليومين !!
في اليوم الثالث أتى يرقب مسرح الجريمة !!!
وقف بجوار السكة وعينه تحدق في أثر جسدها المحطم على السكة :
ذاكرتي هي المجرم ؟
لماذا عادت الآن ؟؟
وهنا قرر عقاب ذاكرته !!
وما أن أقبل القطار حتى ألقى بجسده على الموضع ذاته الذي لفظت فيه أنفاسها !!!!!
هشم القطار جسده كما هشم جسدها !!!
المجرم الحقيقي :
ذاكرته الغرامية !!!!
.......[/color][/font][/font][/font]