" احذروا الاقتراب من بيت الموت ، هناك أفعى تبلع على كل دانٍ لها جناحان كجناحي الصقر ومخالب كالأسد ، يبلغ طولها تسعون مترا وتلف جسدها حول ضحيتها وتشويه بنارها وتبلعه بلقمة واحدة "
" اقترب رجل من باب البيت ففتح الباب فجأة وسحب الرجل وانقطعت أخباره "
" جدران بيت الموت ملئى بالعقارب التي تنفث سمها من بعد ، ولا يجدي فيه طب طبيب ؛ فالموت مصير كل جسد راشف له "
هي بعض الأحاديث الكثيرة المتداولة التي عن بيت مهجور بطرف الحي
أوصد بابه منذ سنين ولا يعرف أين اختفى ساكنيه بين ليلة وضحاها وقد كثرت الشائعات حول اختفائهم . أكثرها رواجا أن الأفعى خرجت من باطن الأرض وألتقمت من بالبيت وأوصدت الباب بقفل يحمل شكل جمجمة ..!
يقول آخرون أنه في ليلة ليلاء حصلت هزة أرضية مدتها ثوانٍ معدودة صبيحة اليوم التالي وجدوا البيت مغلقا وفسروا الأمر بخطيئة كبرى ارتكبت في ذاك البيت وتحولت المرأة القاطنة بالبيت لأفعى وفر باقي أهله منه .
جميع الروايات وإن اختلفت أحداثها تتفق على وجود تلك الأفعى الغريبة التي أحدثت رعبا في قلوب الكبار قبل الصغار . وجعلت جميع من بالحي يخلد للنوم قبل الساعة العاشرة ظنا منهم – حسب ما نشر – أن الأفعى تدخل في سبات طوال النهار تصحو ليلا عند الساعة العاشرة ، تكون عندها قد اتخمت من النوم وأي صوت أو ضوء قد يثير غضب الأفعى ويحصل ما لا تحمد عقباه ،لدرجة أن الجميع أصبح يعرف لغة الإشارة فهي سبيل التواصل بعد تلك الساعات .
الليل في أنفس أهل الحي طويل، وساعات النوم فيه محدودة جدا , وإن غفت الأعين بعد إرهاق من النظر للساعة ، فإن الأفعى لا محالة زائرة في الأحلام . فتُقض المضاجع فزعا بعد صرخات "كاتمة للصوت " كأن الحناجر تقبض طوال ساعات الليل .
الكل في الحي يرقب إطلالة الشمس فمعها يسري الأمن في القلوب مع أول خيط لها . وتدب الحياة – وإن كانت تمشي على عكاز – في أرجاءه . فالخوف لا يزال مسيطرا على قلوب الجميع . ويخشى أن تفيق الأفعى من سباتها النهاري .فالحركة في الصباح يعتريها الخوف والحذر . والخروج محصور على الحاجة الضرورية .
بعد ليلة حالكة السواد ،خرج بعضهم يقف أمام منازلهم يلتقطون نسمات الصباح ويغسلون أقدامهم بنداه ؛ تفاجئوا بوافدة غريبة . عجوز طاعنة في السن تقوست قامتها وجعَّد الزمن صفحة وجهها , كانت تتوشح ثوبا أسود ، وتتكئ على عصا وتسير بخطى بطيئة باتجاه بيت الموت .
أصاب الجميع الذهول ، وارتعب بعضهم واحتمى بجدران بيته خشية خروج الأفعى في حين بقى البعض يرقب المشهد وقد تجمدت أطرافهم من جرأة تلك العجوز . وبقوا يرقبون اقترابها من البيت حتى فكت قيد الباب ودخلت .
بسرعة الضوء تطايرت الإشاعات حول العجوز التي تقاسم الأفعى السُّكنى ، وروّج أنها ساحرة وما الأفعى إلا أحد خدمها ورأى البعض أنها الأفعى ذاتها وما هذه إلا أحدى صورها المتعددة . ملأ الرعب فؤاد الجميع حتى فاض. وأيقن الجميع أن لا مناص إلا الفرار من الحي وعقدوا العزم أن يكون في يوم واحد ..
خرج الجميع صبيحة اليوم التالي حازمين أمتعتهم وشارعين الخروج من الحي . وإذ بالعجوز تجلس على مشارفه مسندة ظهرها الأعوج بصخرة نبتت في أرضة . تصلب البعض من رؤيتها في حين رمى بعضهم متاعه وفر لمنزله . اقتربت العجوز ممن جمدت أطرافهم , وعقد لسانهم فلهم يتحرك فيهم إلا حدقات أعينهم .فوقع صوت زفرات العجوز كان كزئير الأسد على أنفسهم وهي تقترب منهم شيئا فشيء .
مرت عليهم تتصفح وجوههم ، وتقرأ علامات الرعب فيها وللعجب علامات لا تخفى عليها
" أبا سعيد ، أبا محمد ، أبا خالد ، أم فاطمة ، أم وضحى ، أم بسمة ...الخ
لعل فواجع الدهر محت بعض تفاصيل ملامحي ..!
أنا جارتكم أم محمود غادرنا البيت أنا وزوجي منذ خمس سنين في ليلة غاب فيها بريق القمر ، بعدما وصلنا خبر حادث أصاب وحيدي محمود الدارس بالمدينة ، وبقينا بجانبه حتى تماثل للشفاء , لكن فرحتنا لم تكتمل فقد أصيب أبو محمود بأزمة قلبية أودت بحايته ، وبقيت هناك زمنا أعالج حزني مع ابني وأسري عن نفسي هموم الفقد بدل عيشة جوفاء لا خل فيها ولا ولد .ولما شارف جرح قلبي على الاندمال . فجعت بمحمود ولم يحتمل فؤادي بعد الفقيدين ، وغبت عن وعيي ما شاء الله أن أبقى ، ولم أجد بعدها بُدا من العودة للحي ، أتنفس بقايا ذكرياتي خلف جدران بيتي . لكن بالله عليكم أخبروني إلى أين أنتم ماضون عن بكرة أبيكم " ؟!
طأطأ أهل الحي رؤوسهم وتبادلوا نظرات من أطراف أعينهم .لم يملك أي منهم إجابة على سؤال العجوز إنما حملوا متاعهم وعادوا إلى منازلهم تحمل أنفسهم قليلا من الفرح ، وكثيرا من العتب واللوم على عمر قضوه في خرافات !