أرّحب بك : أستاذنا / علي الحسني
مثل هذه النصوص ياعلي مهما كتبنا فيها من الثناء لايمكن أن نوفيها حقّها كما يجب .
قبل أن أقول أنه مليئ بالمفردات والصور المبتكرة التي تخدم القارئ وتخدم الشاعر والمتذوق بصفة عامه , فهو يحكي تجربة شعريّة عريقة ممتدة منذ سنوات تماماً هذه اللقطه :
قوت اربعيني يكفـي لخمسينـي بوضعـي رضيـت
ــــ حتى لو اسخـط مارضـي لـي مبـدأي ذل الهبـات
*
*
8 أبيات وحملت كل هذه الأفكار وكل هذا الزخم الشعري وتلخيص تجربة شعريّة حتى الـ 50 عام !
هذا كفيلٌ بوضعنا في مأزق الرد والله !
إلا أنني أجدني مستمتعاً بالحديث المختصر عن بعض المفردات وتوظيغها في هذا النص !
تقول :
شموخ هذا الطود يوم اني علـى الغيـم استويـت
علمنـي إن الرمـل لــو حـاكـاه مايـقـوى الثـبـات
توظيف المفردات لخدمة النص الشعري أو فلنقل الصورة الشعريّة في هذا البيت .
قبل كل شيئ فلنوضح معنى كلمة طود , وتوظيف المعنى للصورة الشعريّه :
شموخ هذا الطود ...
الطود : الجبل العظيم , تم ذكره في القرآن الكريم يقول تعالى :
[ فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ]
الصحاح في اللغة -
الطوْدُ: الجبلُ العظيمُ. ويقال طَوَّدَ في الجبال، مثل طَوَّفَ وطَوَّحَ. والمطاوِدُ، مثال المَطاوِحِ. قال ذو الرمّة:
أخو شُقَّةٍ جابَ الفَلاةَ بنفسه
ـــ على الهَوْلِ حتَّى لوَّحتهُ المطاوِدُ .
التوضيح وإستطراد البيت :
وانـا ولـد هـذا الجبـل مـن هيبتـه للـنـاس جـيـت
ــ تلـوى لـي الأعنـاق واعـانـق زلال المعـصـرات
.
.
الصورة الشعريّة حتى ولو تم ترميزها في البيت الأول فقد تم شرحها في البيت الثاني وكأن علي الحسني الناقد الذي طالما تعلمّنا على يده يقوم بأخذ دور الأستاذ حتى مع المتلقي , ليبين له مالفكرة التي يومئ بها في البيت الأول من النص وماسّر وضع كلمة الطود في البيت وتوظيفها لإيصال الصورة الشعريّة المراد إيصالها .
كما أننا لايمكن أن نغفل كلمة المعصرات فهي لفتة أخرى أكثر دهاءاً ...
المعصرات : يقول تعالى [ وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا ]
تفسير الجلالين :
14 - (وأنزلنا من المعصرات) السحابات التي حان لها أن تمطر كالمعصر الجارية التي دنت من الحيض (ماء ثجاجا) سبابا
تفسير ابن كثير :
قال العوفي عن ابن عباس : المعصرات الريح وقال ابن أبي حاتم ثنا أبو سعيد ثنا أبو داود الحفري عن سفيان عن الأعمش عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس" وأنزلنا من المعصرات " قال الرياح وكذا قال عكرمة ومجاهد وقتادة ومقاتل والكلبي وزيد بن أسلم وابنه عبد الرحمن إنها الرياح ومعنى هذا القول أنها تستدر المطر من السحاب وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس من المعصرات أي من السحاب وكذا قال عكرمة أيضا وأبو العالية والضحاك والحسن والربيع بن أنس والثوري واختاره ابن جرير وقال الفراء هي السحاب التي تتحلب بالمطر ولم تمطر بعد كما يقال امرأة معصر إذا دنا حيضها ولم تحض وعن الحسن وقتادة من المعصرات يعني السموات وهذا قول غريب والأظهر أن المراد بالمعصرات السحاب كما قال تعالى " الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله " أي من بينه !
إلا أن الصورة الشعريّة وتوظيف الكلمة في هذا البيت أكثر دهاءاً إذ أن الشاعر لايتحدث إلا عن الإعتزاز والشموخ والتفاخر بمقدرته الشعريّة وتوظيف الصورة الشعريّة لذلك , بالرغم من أنها تحمل في طيّها أكثر من بُعد ورؤية شعريّة قابلة للتأويل والإستنتاج .
*
*
حقيقة ً ياعلي وبالرغم من أني لاأعتبر المكتوب أعلاه ردّاً وأرجوا إلا تعتبره كذلك لأن هذا النص حالة إستثنائيّة , وقد أعتبره أنا درس شعري لجيلي تحديداً , إذ أنه قبل أن يحكي تجربتك الشعريّة كاملة فهو يحكي التحدي الحقيقي للشاعر في كيفيّة قول الكثير باأقل عدد من الأبيات الشعريّة التي لاتشوه القصيدة في إختصارها أو تقنينها ولاتصيب القارئ بالملل في كثرتها وإطالة النص لإيصال الفكرة التي يريد إيصالها الشاعر للمتلقي باليسوره .
.
.
لم نتحدث كثيراً كل ماتحدثنا عنه هو توظيف مفردتين ماذا لو سلطنا الضوء على هذا النص من كل جوانبه ؟
أعتقد أنها مغامرة , ولن أغامر !