وّلد سقوط الرئيس حسني مبارك شعورا قويا بالفخر والعزة لدى المصريين افتقدوه منذ ايام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، الذي كانت مصر في عهده أم العالم العربي. ويقول احمد النشار (62 عاما)، احد المحتشدين في ميدان التحرير وسط القاهرة، «لقد استعدنا كرامتنا ولن نحني رؤوسنا مجددا، لقد كسر الحاجز».
ويشعر المصريون كذلك بالفخر والاعتزاز بجيشهم الذي ابدى قدرا كبيرا من الانضباط واستيعاب الجماهير في التظاهرات الاخيرة، بخلاف الشرطة. وقد استعاد المصريون الشعارات التي تعود الى زمن جمال عبد الناصر، وهو الزمن الذي يدغدغ مشاعرهم رغم انه شهد نظاما حديديا. وهتف المصريون في تظاهراتهم «ارفع رأسك، أنت مصري».
ويعد عبد الناصر، قائد حركة الضباط الاحرار التي اطاحت الملكية عام 1952، رمزا كبيرا في العالم العربي، وأحد وجوه حركة عدم الانحياز. وقد الهب العالم العربي بعد تأميم قناة السويس في العام 1956.
بعد ذلك واجهت مصر حربا فرنسية-بريطانية-اسرائيلية (العدوان الثلاثي) لم تفلح في استعادة القناة، بل رفعت عبد الناصر أكثر فأكثر في نظر المصريين والعالم الثالث.
ورغم ان تلك المرحلة شابتها «نكسة» العام 1967، اضافة الى نظام بوليسي، الا ان ذلك لم يحل دون حنين المصريين الى ذلك الزمن. ودلالة على ما كان يحظى به عبد الناصر في نفوس المصريين، خرج في تشييعه في سبتمبر 1970 ملايين الاشخاص في شوارع القاهرة في حالة من الهستيريا الجماعية.
لكن لم يحافظ الذين خلفوا عبد الناصر في رئاسة الجمهورية من سياسته سوى على غياب الديموقراطية، أما في ما سوى ذلك، فقد تحولوا الى خيارات مختلفة تمام الاختلاف. فعقدت مصر اتفاقية سلام مع اسرائيل وانضوت في المعسكر الاميركي، واعتمدت سياسة الانفتاح الاقتصادي. ولم يفلح كل من انور السادات، الذي اغتاله اسلاميون في العام 1981، ومبارك الذي تولى الرئاسة بعده، في محو ذكرى عبد الناصر من عقول المصريين وقلوبهم.
ويقول احمد النشار، وهو ابن ناشط شيوعي تعرض للسجن أيام عبد الناصر «صحيح ان في زمنه لم تكن هناك ديموقراطية، لكن السلطة لم تكن تخدع الشعب، والشعب كان يحب عبد الناصر، لم يكن هناك فساد، كنا فخورين بأننا مصريون».
وبصرف النظر عن ان الرجل القوي اليوم، هو وزير الدفاع المشير محمد حسين طنطاوي (75 عاما) احد أركان نظام مبارك، وان الديموقراطية لم ترسخ اقدامها بعد، الا ان المصريين فخورون بثورتهم. ويقول احمد النشار، «انها الثورة الشعبية الاولى في مصر منذ زمن الفراعنة، فالثورة الناصرية كانت في حقيقة الامر ثورة عسكرية».
ومع ان «ثورة الياسمين» في تونس التي اطاحت الرئيس زين العابدين بن علي، هي التي مهدت الطريق أمام «ثورة 25 يناير» في مصر، الا ان الشعور السائد هو ان مصر، كبرى الدول العربية من حيث عدد السكان، ستستعيد مكانتها في قيادة العالم العربي.
ويقول اسامة توفيق سعدالله (40 عاما)، «كنا متأخرين عن غيرنا من الدول، لكننا عدنا واكستبنا مكانة في نظرهم ونظر العالم العربي».
ويقول عمرو الشوبكي، من مركز الاهرام للدراسات السياسية والدولية في القاهرة، «واخيرا بات بامكاننا ان نتكلم عن انفسنا في حديثنا عن الديموقراطية، وليس فقط عن اوروبا الشرقية والبرازيل في عهد لولا»، الرئيس السابق لويس ايناسيو لولا داسيلفا.
القاهرة ( ا ف ب )