روح بلِّط البحر
كثيرةًٌ هي الكلمات التي تقرع أسماعنا وتصفعنا بقوة وعنف, كلما أردنا إزاحة همٍّ عن كاهلنا.
تصفعنا هذه التي ذكرن في دوائرنا و مدارسنا وأسواقنا وشوارعنا, وعادةً ما تكون خاتمة نقاشٍ أو جدالٍ أو حوارٍ أو حديثٍ بين طرفين, أحدهما شخصٌ مهم أو سيد مكان أو مديرٌ صغير أو كبير أو موظفٌ ذو شأن أو مسحوق أو تاجر أو بائع أو مستخدم, والآخر مسكينٌ مغلوبٌ على أمره ذو حاجةٍ ( وصاحب الحاجة ما عاد أرعن بل ذليل ) أو صاحب حق أوشك حقه أن يضيع – هذا إن لم يكن قد ضاع مع الأندلس قبل القدس- فحين يدرك الآخر المغلوب أن الذي أمامه أعلن عدم الاستماع والاستجابة, يطلق زفرة مهزوم يدرك الطرفُ الغالب شيئاً من التذمر فيها ورائحة شكوى قد تُرفع إلى ولي أمر, عندها يطلق أبواقه مردداً إحدى هذه العبارات أو بعضاً منها أو يتلوها مجتمعةً دفعةً واحدةً مظهراً للمغلوب عدم مبالاته التي قد تأتي من كونه – أي الغالب – ذو ظهراً وصاحب الظهر قوي, أو ربما كان ذا يدٍ تأخذ من الأسفل وتمتد عطاءً نحو الأعلى, عندها سيكون الثلاثة شركاء, أو ربما من المسحوقين الذين ضاعت حقوقهم مع ما ضاع في الزحام فقال ما قاله ( فشة خلق ) موقناً أن من أمامه مسلوب مثله والذين هم في الأعلى مشغولون بسماع أغانٍ من مقام مغاير, أو ربما قاموا بنزع غشاء الطبل.
من هذه الأناشيد التي نسمعها تصدح وتُعزف طقطوقة ( أحمض ما عندك أطبخو ) , ومنولوج ( إيدك وما تعطي), وموال ( اليطلع بيدك سوي برجلك ) وكلها من مقام ( النكرزة ) وهذا المقام بالطبع ليس له علاقة بمقام النكريز, ولعل أكثرها شجواً موشح ( روح بلط البحر ).
لقد ضاعت علينا نحن المقهورين فرصة دخول كتاب غينيس _ لو أن كل من سمع هذه الكلمة قام بوضع بلاطته حيث أمروه لاستطعنا تبليط المحيط الهادي خلال شهر , بالمناسبة لقد بلطوا البحر بعد أن شربناه مرتين.
وحرصاً منّا على هذا التراث الجميل وتضامناً مع لجنة جمع الثرات الشعبي التي لا تعترف بالشعراء الشعبيين نطالب بإقامة مهرجان على غرار مهرجان الأغنية السورية خشية أن تغزونا اغنية شبابية مطلعها:
(روح اشطف السما) والشاطر يشطف!!