منذ سنوات مضت وبالتحديد في عام 1994م أعلن أحد أهم عناصر التقنية والتكنولوجيا الحديثة وصوله إلى المملكة العربية السعودية.. وكان كأي تقنية أخرى حديثة..مثار حديث المجتمع وآراء دور الفتوى وتخبط الناس بين كونه حلالاً أو حراما.. ولأن مجتمعنا جُبِلَ على استخدام الجانب السلبي لكل جديد وإساءة استخدام كل مستورد ..فقد أصبح الناس ينظرون إلى مرتادي الشبكة العنكبوتية "الانترنت" وكأنهم فساق أو مرتكبي إثمٍ عظيم..
فكل ما كنا نسمعه عن الانترنت حين دخوله إلى المملكة ..بأنه وسيلة لتقريب الحرام وتوسيع نطاقات العلاقات بين الشباب والفتيات ..وإنه مجرد غرف للدردشة أو مواقع إباحية خلاعية ..هدفها تدمير الأفكار بل وعُدَّ الانترنت مظهرا من مظاهر الغزو الثقافي والذي هو ذريعة المؤمنين بنظرية المؤامرة في ذلك الوقت.. متناسين بأن هذه تقنيةٌ كسواها .. أفلا نستطيع جني العسل من نحل قد يكون قاتلنا ؟؟
إلا أن مجتمعنا الشامخ أبى إلا أن يفكر بهذا التفكير وأصرَّ أن يقدم احتمالات السوء ويفترض افتراضات المفاسد ويقدمها على ما يمكن أن يتحقق لنا من مصلحة من هذه الشبكة الرائدة..والتي قربت العالم ووضعته بين أيدينا..
تقدمت السنون .. وبدأ استخدام الانترنت في الازدياد والانتشار..حتى لا يخلو بيتٌ من جهاز حاسب آلي مجهز بإعدادات الشبكة العنكبوتية.. ورغم ذلك فإن البعض لا يزال باقٍ على أفكاره بأن هذه نقمة وليست بنعمة..لا زال هناك من هو على يقين بأن مستخدميها ما هم إلا شواذ وباحثين عن الشهوة المحرمة التي قد يصعب عليهم الحصول عليها في الواقع..فيبحثون عنها في أوكار الانترنت..
والصواب بأن هؤلاء أحيانا لهم عذرهم في مثل هذه الأفكار.. فإعلامنا المبجل يعيد ويزيد ويكرر قصصاً عن مصائب أقوام وبيوت هدمها الانترنت.. إعلامنا القدير .. لا يزال يصور الانترنت بأنه بلا فائدةٍ تُرجى..
لا بأس من التنبيه والتحذير والدعوة إلى مراقبة الله قبل كل شيء في استخدام هذه التقنية وغيرها من التقنيات القادمة إلينا من الخارج ..ولكن دون أن نزيد من تلك المواد حتى لتلصق صفة العار بكل مستخدم..حتى وإن كان استخدام البعض نافعا.. لمَ يُصَوَر مستخدمي الانترنت بأنهم مجموعة من الشباب والفتيات الذين يعانون فراغاً عاطفياً..فيتعرف بعضهم إلى بعض فتنشأ علاقات من نوع آخر؟؟
لم لا تُظهَر الصورة الحسنة؟؟لمَ لا يُعرَض الانترنت كوسيلة تثقيفية ومكتبة إلكترونية ونشرات أخبار محلية وعالمية ؟؟ لمَ لا يُبيَّن أن الانترنت صدى لصوتٍ غير مسموع؟؟ وأنه صوتٌ لمن لا صوت له..وأنه مدرسة لتنمية المواهب؟؟
ترى بعض البرامج يخصص لساعاتٍ في إظهار المفاسد التي سيخلفها الانترنت في عقل مستخدمه بل وأخلاقه وعقيدته وعندما يشير المخرج بأن باقي دقيقة على انتهاء البرنامج ..تذكر مقدمه بأن يمر سريعاً وفي أقل من دقيقة على فوائد الشبكة بعد أن استغرق ساعة وربما أكثر في إظهار سيئاته ..فماذا ستفعل هذه الدقيقة أو الثواني أمام ذلك الذي مضى؟؟
الغريب والطريف بأن بعضهم يشوه ملامح الشبكة ومرتاديها وفي ختام البرنامج يقول لك :"لأي اقتراح راسلونا على إيميل البرنامج وزوروا موقعنا الإلكتروني "
اليوم .. وبعد كل التطورات التي شهدها مجتمعنا..والتقدم الذي يزعم شعبنا بأنه وصل إليه في زمن قياسي بالنسبة إلى دولة محافظة .. لا يزال الانترنت وكر فساد لدى الكثير ..
فهل من أمل في تغيير الصورة..؟؟
]]>