لم يبق سوى ارتفاع الحرارة وسرعة النبض ،،
تتلاحق في حدة رهيبة حدة الموجة التي يمتصها رمل الشاطئ فلا يتقهقر منها إلى البحر شيئا ،،
ففي ضحى يوم ليس كمثله شئ ،، وقد تراقصت مع الأمل الملهم أشعة هادئة فاترة تنبئ في رفق عذب على لسان السحاب بأن الشمس تريد أن تنام بين ذراعي أفق الحكمة ،،
فأقبلت فاتنة الشمس في أناة ووقار وجلال لتغمر الوجود بحاشيتها وتضم ثغر كأس الانتظار في حب وحنان ،،
وقد استحضرت عقلي كله وشعوري كله ،،
فقطعت كل ما كان بيني وبين العالم من صلة ،،
وأخلصت نفسي للوجود أريد أن ألتهمه حبا له وإعجابا به وفناء فيه بما يتيح للصفاء أن يختصر المكان ويتجاوزه ويخلص للوعود أو لقطعة فيما علق من رضابها ،،
وأن أمضي في الزمان إلى غير غاية مستحيل وعلى غير هدى ظل ،،
وأن أقف في الحاضر عابثا خاشعا فأجمعه وأفرقه ،،
وقد تركت المستقبل لمن بيده المستقبل والواقع للذين يشغلون بالواقع ،،
معلق في الهواء ،، غائص في النظرات ،، كأنما أعيش في الزمن الذي لم تكن الأعين قد خلقت فيه بعد ،،
ومنصت لنبرة عميقة لم أسمع كسحرها قط ،،
وقد عرفتك بالقلب كما يجدر بعشاق ولكني الآن عرفتك كالذات في الوجود ،،
ودنيا من الأشواق تنتظر أن نقطف ثمارها ،،
وأشرت إلى لون السماء الهابط على الدنيا ،،
رحلة في الفضاء والهمسات والمفاتن ،،
في ركوب الضوء شكرا لسرعته الثابتة ،،
الشئ الوحيد الثابت في هذا الكون الذي لا يعرف الثبات ،،
المتغير بلا توقف ،، المتحرك في جنون ،،
وفاتنة الأصيل تهادى كالغزال الذي وصفه الوصلي ،،
ليتلاشى الغياب ويحتويه غار في قاع نهر بارد ،،
ولكني لم أستطع أن أخرج عن صمتي ،،
كنت غارق في لجج تلتطم في قلبي الحائر الذي قال عنه الانتظار أنه أجوف ،،
قلبي !! ،، الهالك بين أوبئة اللوعة والحسرة واليأس ،، أجوف !! ،،
ما أبشع تصور السكون وأغرب الخيال ،،
قلبي مسلوب الإرادة منذ الأمد ،، أسير الهوى الجامح الذي لا يعرف الرحمة فوردني موارد الهلاك ،،
أتون العذاب الملتهب ،، أجوف !! ،،
أيكون كذلك وهو جامع أشلاء النفس وأنقاض الآمال ،،
الحق أن عالمنا الإنساني عالم شديد القسوة ،،
وما أضيع الفلسفة التي تعب أصحابها في الدعوة إلى القسوة وتحقيق تنازع البقاء ،،
فهي في الحق تحصيل حاصل وجهد ما كان أحرى باذليه بالضن به ،،
حينما ثمل المغيب هامسا " لك "،، في أنغام " منك " لتراق المنى شهدا وتستقر في " فيك " ،،
أيا لحظات الشوق ،، لقد أمسى قلبي صفحات تقلبت أمامك لأن الفكر أجاد قراءتها ،،
سأحفر متأملا في الماضي الذي مضى أغنية إشراق وأدفن مستقبلي في جوفه ،،
فالحرية نفسها تهون وترخص أحيانا في طلب المستبد غاصب الحنين ،،
هي أنفاس الفتنة وعاطفة ندية لا تقاوم ،،
آفاق غامضة تسيل من عينيها فيتورد الأفق بالسرور المقدس ،،
ألا فلتروني الأقدار بأجمل ما تحمل من السعادة
امتدت السفوح وتعالت الجبال ،، وغنى ظل الصمت بلغته المجهولة ،،
والقلب لم يخرج من كهفه منذ مغاني الحدائق وقفز الأسوار ،،
كأنما تسطر بخطواتها جملة لم يسبق ذكرها على لسان ،،
فينتفض غصن : لا قيمة لشئ سوى قامتك السحرية ،،
وفي ضحكتها رأيت النفس وتجسد لي المعنى ،،
خليق بمثلي ألا يعرف الحزن إلا بـ ذكرى ،،
إنها موجودة في الوجدان على حين لا يرى لها طيف ولا يسمع منها صوت ،،
تنتقل من مكان إلى مكان كالنسمة المنسابة ،،
حتى تجاوز الليل تحفظه الفطري ،،
وتمادى في الإفصاح ،، كشفت القناديل عن لهفة محمومة ،،
وبدا ذلك فاترا بالقياس إلى ما تمنحه شفتاها ،،
أنت بانتشاء السهر منك : كل شئ ،،
ما مضى وما هو آت ،، لأذوب في دورة المفاتن المشرقة ،،
وأتذوق الشهد المشتعل في جفوني ،،
وقد فهمت الساعة فقط مغزى الحركة حول الشمس ،،
كأنما أضن بصوتها على سماعه تماديا في تأثيره ،،
كترانيم الأساطير في صوت اسحاق أو معبد ،، وابتهالات الياسمين لأنفاس الليل الحانية ،،
ورب الذي خلق الجمال وأنصفك بأنفس عطره ،، فابتسمت به جوارحي سكرة ،،
لا أفارقه حتى لو أراد مفارقتي ،، بما يورف في الصدر ويئن تحت وخز الكتمان ،،
ولولا أن الشوق يؤثر البقاء خالدا ،،
ولولا أنه يستعين بما بعث من عين تطرف وعرق ينبض ،، لتلوت عليك وصيتي ،،
بذلك التيار المتواصل الذي امتد بين النظرات ،،
يحمل بين طياته براهين الوجد والوعود ،،
حتى أوشك الفيضان أن يجرف السد