يؤمن أحدهم أن الخوف والخوف وحده القادر على ضبط الناس والعودة بهم إلى جادة الصواب. هكذا يظن نفسه مصيباً و كثيرون هم الذين يؤيدون ما يذهب إليه.
ولكن هل فعلاً تكريس الخوف كرادع أساسي ووحيد في عملية ضبط السلوك والمشاعر والانفعالات والقيام بالواجب على أكمل وجه مفيد في عملية بناء الإنسان والبلاد والعباد؟
يظن آخرٌ أن صاحبنَا الأولَ قد جانبَ الصوابَ لحدٍ ما وربما يكون محقاً في بعض المواقف, وثالث يجزم أن لا هذا ولا ذاك فالخوف عنده عامل إحباط يعيد بنا إلى حالة البهيمية.
هل نستطيع من خلال التلويح بالعصا وإشهار سيف الردع المسلط على الرقاب أن نضبط حركات أطفالنا ونسائنا ورجالنا؟ هل بمقدور هذا الفعل القاسي والقول الصارم واليد الحديدية أن تحدَّ من التسيب والانفلات والانحلال والهروب من كل الأبواب والنوافذ كي لا نفعل ما علينا فعله؟
هل تمكننا كل وسائل التخويف المتبعة من بناء أسرة قويمة ومجتمع صالح ودولة قوية؟ هل نضبط دوام موظف ما في مكان ما من خلال عقوبة مفاجئة قاسية ظالمة أحياناً لموظف آخر في مكان آخر؟ وقد يكون هذه الموظف المعاقب ملتزماً بكل الأنظمة والقوانين النافذة ولم يرتكب مخالفة طوال حياته الوظيفية سوى هذه المرة فقاده حظه النحس لأن يتأخر عند دوامه الصباح 5 دقائق فقط وللمرة الأولى في حياته, فيُتْخذ بحقه ما يُتْخذُ.
هل عقوبة هذا المنضبط حتى حدود الانضباط ستربي غيره؟ أم أنها ستجعل منه نادماً على كل دقيقة إخلاص قضاه في سبيل عمله؟ هل ستجعل منه هذه العقوبة متمرداً حانقاً حاقداً على كل القوانين التي لا ترى ولا تسمع ولا تشم ولا تنطق إلا من خلال ذاك الذي يشرف على تطبقها فتغدو متأثرة بحواسه فتفعل فعلاً لا بروحها بل بيد وحواس وتفكير من يمتلك سيف القوة والسلطة في تطبيقها؟
يصر الأول على رأيه ويتفق الثاني معه أحياناً على أن اللذين اعتادوا مخالفةَ القوانين والأنظمةِ واستمرؤوا الفوضى وأدمنوا التسيبَ لن يُضبطوا أبداً إلا باستخدام مختلف وسائل التخويف والضرب باليد القوية للقانون القوي كي يثوبوا إلى رشدهم ولا بد من وقوع بعض الضحايا في سبيل صحوة الضمير وعودة الناس إلى جادة الحق, ويتابع هذا مدافعاً عن رأيه أن هذا الخوف يجب أن يكرّس ليتحول في النهاية إلى عادةٍ وسلوكٍ وبالتالي نستطيعُ الوصولَ إلى الحالة المثلى من الانضباط المبنى على الخوف من القانون وسلطته وسلطة من يقبض على سيف الحق المتمثل به.
يأمل صاحب هذا الرأي أن تتحقق وجهة نظره, كي يطيع الابن والابنة الوالدين وتلبي الزوجة أو الزوج طلبات بعضهما و يمتثل المواطن لأوامر ممثل القانون وبالتالي يحترمه و يسمع الطالب كلام معلمه ونر ى كلٌّ يقوم بواجبه, وعندها ننعم بما نريد من خير.
صاحب الرأي الثاني الذي يتأرجح بين هذا وذاك يصر على مسك العصا من الوسط ليضرب بها مرة و ليهش بها مرة ثانية ويلّوح بها ويشير بها مرة ثالثة ونتكئ عليها جميعنا في المرة الرابعة .
وثالث لهما يؤمن إيماناً مطلقاً أنّ الإنسان يبنى من خلال القيم العليا والمثل الراقية التي تغرس في نفوس الأطفال كي تكبر معهم فيصبحون أباءً صالحين ومواطنين مخلصين لوطنهم وأشخاصاً يتمتعون بكامل مقومات الشخصية القوية وبالتالي يكون لدينا الإنسان الذي يتمثل كل قيم الإنسانية.
الخوف يشل قوى التفكير عند الإنسان ويحوله من شخص يعمل ليبدع إلى فرد يعمل كي لا يقع تحت سيف العقاب وهذا بدوره يدفع به إلى الوقوع في المحظور من حيث لا يدري نتيجة لغياب الرغبة الحقيقة في تأدية الواجب, فهو يعمل كي يتقي شراً لا ليقطف ثمراً من نجاح ولا يمتلك رؤىً للإبداع. كثيرون هم الذي يتواجدون في مكان تأدية الواجب قبل البدء وبعد النهاية دون القيام بأبسط عمل المهم أن الحضور كان أولاً وسيكون في الانصراف أخيراً ومابين هذا الحضور وهذا الانصراف لا شيء سوى تمضية الوقت نحو انتهاء الوقت المخصص للحضور.
هذا الذي يعمل تحت سلطة الخوف بهذه الروح المنهزمة سينقلب إلى النقيض في حالة غياب رادع الخوف واختفاء سطوته وعندها لا نكون قد حققنا غايتنا المنشودة من بناء إنسان ليبنى شخصية ومن ثم أسرة ليصل إلى مجتمع معافى ووطن قوي حصين منيع.