هشاشتُنا المُشتَعِلَةُ: رقصَةُ الأرواحِ العاريةِ فوقَ هاويةِ الوجود! - منتديات أبعاد أدبية
 
معرفات التواصل
آخر المشاركات
ضَوْء فَنِّي .. (الكاتـب : عَلاَمَ - مشاركات : 14 - )           »          فِي مَمْلَكَةِ الْحِبْرِ وَالْغِيَابِ! (الكاتـب : جهاد غريب - مشاركات : 0 - )           »          تعب وجروح !! (الكاتـب : محمد علي الثوعي - مشاركات : 4 - )           »          أبسط أماني الليل ..؟! (الكاتـب : عَلاَمَ - آخر مشاركة : سيرين - مشاركات : 90 - )           »          ماذا تكتب على جدار الوطن ؟ (الكاتـب : سيرين - مشاركات : 1578 - )           »          سقيا الحنايا من كؤوس المحابر (الكاتـب : سيرين - مشاركات : 7527 - )           »          ...نبض... (الكاتـب : رشا عرابي - مشاركات : 4706 - )           »          اعترافاتٌ تُكتَبُ بِنارِ الرُّوحِ وقَبضَةِ القَمَرِ! (الكاتـب : جهاد غريب - مشاركات : 4 - )           »          حِوارَاتٌ مَعَ الغَرِيبِ: مِرآةٌ تَسْأَلُ، وَصَدًى يُجِيبُ! (الكاتـب : جهاد غريب - مشاركات : 0 - )           »          حرف عقيم (الكاتـب : ضوء خافت - مشاركات : 24 - )


العودة   منتديات أبعاد أدبية > المنتديات الأدبية > أبعاد النثر الأدبي

أبعاد النثر الأدبي بِالْلُغَةِ ، لا يُتَرْجِمُ أرْوَاحُنَا سِوَانَا .

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-27-2025, 03:59 AM   #1
جهاد غريب
( شاعر )

افتراضي هشاشتُنا المُشتَعِلَةُ: رقصَةُ الأرواحِ العاريةِ فوقَ هاويةِ الوجود!


هشاشتُنا المُشتَعِلَةُ: رقصَةُ الأرواحِ العاريةِ فوقَ هاويةِ الوجود!

"نحنُ من نُكسَرُ، كي تولَدَ في شظايانا مرايا تُعيدُ خلقَ العالم!"

نحنُ، كائناتٌ تَحمِلُ مرايا بداخلِها، لكنّ هذه المرايا ليست من زُجاجٍ صافٍ، بل من شظايا جِراحٍ مُضمَّدةٍ بضماداتِ العطاء.
كلُّ جُرحٍ يَنبضُ، وكلُّ نَبضةٍ تلمَعُ في مرآةِ الآخَر.
نَمدُّ أيدينا – تلكَ الأيدي التي تَرتعِشُ كأوراقِ الخريفِ المُتمردةِ على سُقوطِها المُحتوم – لا لِتَمسحَ الدمَ عن مرايانا فحسب، بل لِتُلمِّعَ مرايا غيرِنا بقطراتٍ من نُورِنا المُشتَرَك.

ألَيسَ العطاءُ، في صَميمِ هستيريا وجودِنا، هو الصَّرخةُ الأكثرُ إلحاحًا؟
صرخةٌ تُعلنُ: ها أنا ذا!
جُرحي يَنزف، لكنَّ نزيفي هذا قادرٌ على أن يُروِي عطشَ غريبٍ في صَحراءِ روحِه!

نضحكُ حينَ نُعطي، ضحكاتٍ كحَبّاتِ الرَّملِ في عاصفةٍ صحراوية،
ضحكاتٌ ساخرةٌ تكادُ تُخنِقُنا بِمَرارتِها، لأنَّنا نَعرِفُ السِّرَّ المُخيف:
أنّنا، ونحنُ نُقدِّمُ جُرعةَ ماءٍ من قِرْبَتِنا المُثقوبةِ لِشارِدٍ في القَفر،
إنّما نَسقي ظمأنا الأعمق، ظمأً إلى معنًى يَطفو فوقَ بحرِ العبَث.

نَسرقُ من جُوعِنا لِإشباعِ جوعِ الآخر،
وفي عمليّةِ السَّرقةِ المُقدَّسةِ هذه، نشعرُ بِشَبَعٍ غريبٍ،
كأنَّ أحشاءَنا احتَضنَتْ حُقولًا ذهبيّةً تتوهَّج!
وبُطونَنا امتلأتْ بسَنابلِ قمحٍ من نور!

ونحنُ، أيُّها الغُرباءُ في قطارِ الوجودِ المُهتزّ،
نسيرُ في رِحلةِ العِطاشى.
كلٌّ منّا يَحمِلُ كأسًا مَشروخًا، يَبحثُ عن يَنبوعٍ يملأه.
لكنَّ المُفارقةَ الساخرة، المُرّة كطَعمِ الفَلسِ الأخيرِ في فمِ جائع،
هي أنَّ الينابيعَ الحقيقيّة تكمُنُ في صَحراءِ بعضِنا البعض.

نَنحني عندَ قدَمي غريبٍ، ناسينَ عطَشنا اللاهِب،
لنَهمِسَ له: خُذ، هذا الماءُ الباقي لي.
وفي لَحظةِ مَنحِ تلكَ القَطرةِ البائسة، يَحدثُ المُعجَز:
يَنفتِحُ باطنُ الأرضِ تحتَ أقدامِنا نحنُ المُعطين،
وتتَفجَّرُ ينابيعُ لم نكن نَعرِفُها في صَميمِ صَحرائنا!

جَبرُ الخَواطرِ هذا، أيُّها الجائعونَ إلى اللُّقيا،
ليسَ مجرَّدَ كلمةٍ طيّبة، إنّه حوارٌ صامتٌ بين الأرواحِ العارية،
رقصَةٌ كونيّةٌ حيثُ يَلمسُ الجَريحُ جُرحَ أخيه،
فيتحوَّلُ اللّمسُ إلى نَبضٍ مُشتَرَك، وإلى موسيقى.
نعم... موسيقى الصَّمت!

ألَا تَسمعونها؟
تِلكَ السِّيمفونيّةُ الصامتةُ التي تُعزَفُها الأقداحُ الفارغة وهي تَتصادَمُ في قاعِ الوجود؟
إنّها موسيقى الجَبرِ الخفيّ.
كلُّ لمسةِ جَبرٍ، كلُّ نظرةِ تعاطُف، كلُّ قطرةِ عطاء،
هي نُوتةٌ في هذهِ المَقطوعةِ الأبديّة.

الألمُ، ذو الوجهين:
وَجهٌ قاسٍ كحَجرِ الصَّوّان، يَقدَحُ الشَّرَر،
ووجهٌ آخرُ رَخيمٌ كالوَترِ المشدود، يَنتظرُ اللّمسَةَ ليُطلِقَ نَغمتَه.

والأمل؟
لَيسَ طائرًا ورديًّا يُغرِّدُ في سماءٍ زرقاء...
كلا.
إنّه الشَّرارةُ التي تُولدُ من احتكاكِ حَجرِ الألمِ بحَجرِ العطاءِ في ظَلامِ الليل.

نحنُ نَعزفُ على أوتارِ جِراحِنا، ونَسمعُ، بينَ النغماتِ الحزينة،
صَدى أملٍ عنيدٍ، كصوتِ رَضيعٍ يَبكي في أنقاضِ مدينةٍ مدمَّرة –
بُكاءٌ يُعلِن الحياة، رغمَ الدمار.

وها نحنُ نَصلُ إلى اللّغزِ الأكبر:
كيف، ونحنُ نَمنحُ الآخَرينَ شظايا من قلوبِنا، نُعطي لأنفُسِنا؟
كيف نَستظلُّ بِظلِّ الإنسان، ونحنُ نمدُّ ظلَّنا لِيُظَلِّلَ الآخرين؟
إنّه سِحرٌ وجوديٌّ، لُعبةُ مرايا مُعتِمة.

حينَ نَنحني لِنرفعَ مُنكسِرًا، نكتشفُ فجأةً أنَّ قاماتِنا قدِ استقامَت.
حينَ نَمسحُ دمعةً عن خدٍّ غريبٍ، نَشعرُ بِحرارةٍ غريبةٍ تذيبُ عن قلوبِنا جَليدَ الوحشة.

العطاءُ، في هذهِ اللعبةِ الكونيّةِ العجيبة،
هو المرآةُ التي نَرى فيها صورتَنا الحقيقيّة،
صورةَ الكائنِ الذي يَستمدُّ قوّتَه من ضَعفِه، وغِناه من فقرِه، ووجودَه من مَنحِ جوهرِه.

نَضحكُ ضِحكةً مَجنونة،
تِلكَ القَهقهةُ التي تولَدُ من رَحمِ التَّناقضِ الأزليّ،
التي تُدرِكُ عَبثيّةَ الأمر:
نَكسِرُ الخُبزَ النّادر لِنُعطيه للجائعِ بِجوارِنا،
ونَكتشفُ أنَّ الجُوعَ في داخِلِنا قدِ اختفى،
ليس لأنَّنا شَبِعنا، بل لأنَّنا صِرنا بُذورًا تُغرسُ في جِراحِ الأرضِ العَطشى!
بينما رُوحٌ لنا اشتَعلت فُرنًا يُدفِّئُ الكون!

وتَتكلمُ الأيدي المُرتعِشة، أيُّها المُرتجِفونَ بسِحرِ الهَشاشة!
لا بلغَتنا الواضحة، بل بلُغةِ الارتِجافِ نَفسِه،
بلُغةِ الاهتزازِ الذي يَنتقِلُ من يدٍ إلى يدٍ عبرَ سلسلةٍ بشريّةٍ لا تَنتهي.

انظُروا إلى سوسيولوجيا العَطاء!
إنّها ليستْ فضيلةً نُخبويّةً تُعلَّقُ في المتاحفِ الأخلاقيّة، كلا.
إنّها حاجةٌ مُعلَنة، صارِخةٌ كعُواءِ الذِّئبِ في ليلةِ شِتاء،
أساسيّةٌ كالهَواءِ الذي نَتنفَّسُه.

نُعلِنُ فقرَنا بِالعطاء، نُعلِنُ خوفَنا بالشّجاعة، نُعلِنُ عُزلتَنا بالاحتِواء.
نَصنعُ طقوسًا اجتماعيّةً حول مَنحِ القَليل:
كوبُ شاي، ابتِسامةٌ في مِترو الأنفاقِ المُزدحِم، إصغاءٌ لسَردٍ مُملٍّ من غريبٍ وحيد.

تِلكَ الطُّقوس ليستْ تَرَفًا، بل خيوطُ النجاةِ التي نَنسُجُها جماعيًّا فوقَ هاويةِ اللامعنى.

نَمنحُ، لأنّنا لو توقّفنا عن المَنح،
لَتحوّلت مرايا جِراحِنا إلى سُجونٍ مُظلِمة،
وانفجَرَت ينابيعُنا الداخليّة فجفَّت،
وتحوَّلت موسيقى صَمتِنا إلى صَرخةٍ صَمّاءَ لا تجدُ أُذنًا،
واختفى ظلُّنا تحتَ شَمسٍ قاسيةٍ لا تَعرفُ الرحمة.

العطاءُ هو الفعلُ الثوريُّ الأكبرُ ضدَّ العَدَميّة:
نَحنُ نَمنح، فنقولُ للوجود:
أنتَ موجودٌ، لأنني أنا موجودٌ، ولأننا نَوجَدُ معًا،
في رَقصَةِ الجِراحِ والمرايا، والينابيع، والأيدي المُرتَعِشة،
التي، برغمِ ارتِعاشِها، تُمسِكُ بِشَمعَةِ الأملِ الوحيدةِ
في هذا الليلِ الكونيِّ الطويل.

نحنُ نَمنح، لا لأنّنا أقوياء، بل لأنّنا نَعرِفُ أنَّ في هشاشتِنا المُشتركة،
وفي ارتعاشِ أيدينا وهي تَلتقي،
تَكمُنُ القوّةُ الوحيدةُ التي تستحِقُّ الاسم:
قوّةُ الوجودِ معًا.
في مواجهةِ الرِّيحِ العاتية، نَنزف، نَضحكُ ضحكتَنا المشقوقة،
ونُواصلُ السَّير، حامِلينَ مرايانا وكُؤوسَنا المَشروخة،
عَطاشى إلى ينابيعِ بعضِنا البعض،
حتى آخِرِ نَفَس.


جهاد غريب
يوليو 2025

 

جهاد غريب غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:42 AM

الآراء المنشورة في هذا المنتدى لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الإدارة

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.