.
.
.
"حدك
انا بتموز
وانته
بالشتا بعدك"
كان هذا المقطع قبل سنوات هو أول ما قرأت للشاعر نايف المخيمر، وملأني بالدهشة والإعجاب وحرضنّي للبحث أكثر عن قصائد هذا الشاعر الذي يذكره عددٌ من شعراء السبعينيات والثمانينيات
الميلادية بالكثير من التقدير والحب، خاصةً الشعراء الذين قدمتهم الصحافة الكويتية أمثال: سليمان الفليّح رحمه الله، وفايق عبد الجليل، وفهد عافت، ومسفر الدوسري،
والشاعرة والأديبة سعدية مفرّح التي نشرت له مع شعراء كويتيين آخرين في كتابها "حُداة الغيم والوحشة"، وإبراهيم الخالدي الذي قدَّم عنه قراءةً نقدية في أمسية ثقافية قبل سنوات.
"شاعرٌ
دونما ينبوع إلهام يغذّي فكره
غير أحلامٍ وأطيافٍ تراءت
وأماني عِذَاب،
وشعور بلقاء الحب يومًا..
وسراب"
نايف المخيمر كتب القصيدة الفصيحة بإبداع متفوق في زمنه، كما كان من المؤسسين للقصيدة العامية الحديثة في الخليج والكويت تحديدًا، مع رفيق دربه
الشاعر فايق عبدالجليل - رحمه الله - في نهاية الستينيات الميلادية، وقد أصدر ديوانه الأول "وجهًا لوجه" من الشعر الفصيح، ومن ثم أصدر "غرشة عطر"
ديوانه الثاني شعرًا عاميًا وكتب على غلافه "قصائد بلهجة شباب الكويت والخليج العربي" في تأكيد ضمني على حداثة ناشئة في أفكار وشكل ولغة الشعر العامي
مع الاحتفاظ بأصالة مفرداتها واقترابها في الوقت نفسه من الفصحى.
كتب في مقدمة "غرشة عطر":
"إن قصائدي هذه لا أذكر أنني حاولت اصطيادها.. أبدًا.. بل هي التي كانت تصطادني دائمًا.. ربما حاولت الهروب منها أحيانًا ولكنها في داخلي أينما هربت:
تهز الحرف في دمي
تبعثرني..
على سطوح الورق وتقطع أنفاسي
تقطّعني حروف أشواق
مصلوبة على دفتر.."
شارك نايف في مجلة "عالم الفن" الكويتية، وفي مجلة "النهضة"، ومن ثم أشرف على صفحات "أقلام شابة"، وهي إحدى أوائل الصفحات التي اهتمت بالشعر العامي مع
اهتمامها بفنون أخرى كالقصة القصيرة والخاطرة، وساهمت في تأسيس الصحافة الشعبية.
"أمر هناك..
وعيوني معلقة بالباب والشباك!!
وتطلين..
وأحرق ثورة الأعصاب بالتدخين"
لم يكن نايف المخيمر شاعرًا عاديًا أو عابرًا، ولكن لبعض الظروف التي مر بها وأثّرت على حياته، وأحبطت الشعر في روحه، قام بجمع النسخ المتبقية من ديوانيه وتخلص منها،
قبل وفاته - رحمه الله - شابًا في طريق عودته من رحلة العمرة في 1978م.
"يا ليل عشاق الهوى عندك ضيوف
طرّز عليهم من ستايرك منديل
يا ليل ما غيرك بالأحباب مكلوف
جو لك على ما تشتهي كلهم ميل"
تجربة نايف المخيمر الشعرية الهامة والفارقة، خاصةً في الشعر العامي، غابت أو غُيّبت إعلاميًا وغفل عنها النقّاد والمتذوقون، رغم أننا نحتاج إلى قراءتها،
وهي تحتاج إلى أن تُقرأ من جديد بشكل جاد ولا تغيب.
.
ديسمبر 2016م.
*نُشر المقال في صحيفة الجزيرة في صفحة مدارات شعبية.