تعرفون ولا شك إسحاق نيوتن، وأيضاً تعرفون حادثة سقوط التفاحة على رأسه والتي على أثرها اكتشف قانون الجاذبية والقوانين المرتبطة به.
هل تصدّقون تلك القصّة البسيطة لدرجة السذاجة والتي تصلح أكثر ما تصلح لأطفال رياض الأطفال؟!. لا أخفي عليكم، أنا أيضاً صدّقتها لبعض الوقت.
تلك القصّة ليست دقيقة، وقد تم الترويج لها بسوء نيّة أحياناً وبحسن نيّة أحياناً أخرى. ومن يعود للمراجع القديمة يجد التفاصيل التي هي بعيدة كل البعد عن سذاجة التفاحة التي سقطت على رأس نيوتن فأضاءت في رأسه تلك الفكرة العبقرية.
هناك قصّة وتفاصيل أكثر واقعيّة ومنطقية من تلك الحكاية التي سمعناها صغاراً ولقّناها أطفالنا كباراً، وهي أيضاً مفاجئة ومدهشة.
المدهش والمفاجئ أنّه كانت هناك شخصيّة أخرى، وتلك الشخصيّة هي صاحبة الإشعاع والعبقريّة، وأمّا نيوتن فلم يكن سوى تابع. تصف مراجع تلك الفترة ذلك الرجل الغريب الذي يبدو لك أحياناً من خلال السطور وكأنّه ظل، أو شبح، وأحياناً تتعجّب من قدرته على الاختفاء ثم القفز فجأة بين عينيك من بين الحروف.
لم تتفق المراجع على اسم محدد، بعضها أطلق عليه اسم ذو النظارة السوداء. وأمّا القسّ يوهانس المعروف بيوهانس المنجّم الذي اخترت أن أنقل لكم روايته من بين الروايات الأخرى فيسمّيه المتجوّل. هذا الخلاف على التسمية يعكس ولا شك غموض هذه الشخصيّة العبقريّة. والآن إليكم القصّة كما حدثت وفق رواية القس يوهانس......
فيما كان المتجوّل يقف كعادته متأملاً من وراء نظارته السوداء ومتكئً على عصاه تحت شجرة التفاح كان تابعه نيوتن يجلس متململاً وقد اشتدّ به الجوع. كان ينظر لسيّده المتجوّل منتظراً أن يفرغ من تأمله، فهو لم يكن بأي حال من الأحوال يجرؤ حتى على التفكير بمقاطعة هذا الطقس شديد الأهمّية.
سقطت على رأس نيوتن تفّاحة ناضجة، ورغم أنّها آلمته قليلاً إلا أن فرحته بوجود شيء يأكله طغى على كل شعور بالألم. التقط التفاحة التي تدحرجت بالقرب منه ومسحها عن التراب بطرف ثوبه، وهو يهمّ بأخذ أول قضمه كأنّه سمع صوت معلّمه في رأسه يردّد ما يقوله له دائماً.......
"تفكّر جيّداً قبل كل ما تقوم به من أفعال، حتّى قبل اللقمة وأختها."
هنا تمنّى نيوتن في قلبه أن لا يلتفت معلّمه حتى ينتهي من أكل التفّاحة، فقد كانت أمعاءه تتحرق شوقاً للطعام. لكن خاب ظنّه، والتفت المتجوّل نحوه، وبعد لحظة من النظر قال.
-ماذا في يدك؟
-إنها تفاحة ياسيّدي. وأنا كما ترى أنظر لها الآن وأفكّر كما أوصيتني سابقاً.
-بماذا كنت تفكّر؟
هنا ارتبك نيوتن للحظات ولم يعرف أول الأمر كيف سيجيب معلّمه، ثم واتته فكرة......
-أفكّر يا سيّدي كيف جاءت التفاحة لأسفل ولم تصعد لأعلى؟
ابتسم المتجوّل ابتسامة عطوفة، فقد علم أن كلام نيوتن كذب، فهو يقرأ قلبه قبل أن يسمع كلامه، ومع ذلك قال يخاطب نيوتن...
-رائع.....أنا أيضاً سقطت عليّ تفاحة بالأمس، وقد حوّلتها لسماد ووضعته تحت جذع شجرة التفاح لأردّ لها الجميل.
-حوّلتها لسماد يا معلّمي!!! كيف استطعت ذلك؟ كيف يا معلّمي. ذلك أمر عجيب.
بعدها استدار المتجوّل وأخذ يمشي في اتجاه الجبال البعيدة، فيما تبعه نيوتن وفي يده تفاحته وقد نسي جوعه بعد كلام معلّمه، ويتخيّل كيف أنه بلمسة أو إشارة حوّل التفاحة إلى سماد وأعطاه كهديّة للشجرة.