(إذا حزنت مرة دونما سبب، فثق أنك كنت حزينا طيلة حياتك دون أن تعرف ) .. !
اميل سيوران
*
*
*
ارتضيت بنسخة مزيفة شبيهة به , أما أنتِ فقد كان لكِ دائما شرف الحصول على نسخته الأصل , وكما أنزل على شغاف قلبي لأول مرة , جئت أزف لكِ أسفاره اللانهائية الخلود, بينما لاتزال أحباره طرية لم تجف كما كانت هي هيئتها الأولى عند بدء النقش ,بلا أدنى تحريف أو تأويل, أو أدنى تشويه أو بتر ! صحائف حب مقدسة , تتلى ترانيمها في كل ذرة من ذرات روحك الأثيرة , اناء ليلي وأطراف النهار, كان ذلك بعد أن أيقنت بشدة , بأنني قد بعثت لك رسميا بأمر من السماء ..!
السماء التي وهبتني أنتِ كأكبر هداياها, هاهي تخبيء لي ابتلاءا شديدا هذه المرة ,و يفوق قدرتي على ترويض صبري أومهادنته , ويتعدى بمراحل كمية الإيمان الإحتياطي الذي خزنته طويلاً في سنامات السنين الحارقة . قد يكون في ذلك حكمة بالغة ، أن نوهب حزناً ضرورياً يقارب مقاساتنا الحياتية تماماً ،وعلى القدر المطلوب الذي لايمكن به للفقراء أن يسخروا كثيراً من حزن الأثرياء ,ولا أن يكون لذوي الكآبة حجة على أصحاب النفوس السعيدة ! لهذا السبب تحديداً أكره أن أستعير حزن الآخرين لأكتئب به ، يخيفني كثيراً أن يحال ألمي إلى تسلية أدبية ! وأسوأ من ذلك, أن أخرج على الناس فجأة ، بهندام حزن غير ملائم . ” ذلك هو العار حقاً ” ! .
وكما كان إيماني بكِ عظيماً جاء حجم البلوى تماما على مقاس حبي لكِ ,
" كفرك الأعظم " الذي لاتنفع معه توبة نصوح , أو بكائية ندم حتى
تقوم الساعة .. !
* * * *
هكذا علمونـا قديما, هكذا أوصلوا مولداتهم الفكرية العالية التردد في نواقلنا العصبية , ذات طفولة بريئة ومراهقة انقيادية ," لاشيء يأتي دفعة واحدة " , " الحياة مغامرة جريئة أو لاشيء ", " من استعجل الأمور قبل أوانها عوقب بحرمانها" " , " كثر الدق يفل الحديد " ,
" الثقل صنعة " ," فاز باللذات من كان جسورا " , " البعيد عن العين بعيد عن القلب " .. !
ياإله الصابرين!! ما كل هذا الذي أراه وأقرأه وأسمعه ؟
ماهذا التناقض الضاري المتوحش الذي تلعن فيه كل
كلمة أختها وتكذب كل فكرة سابقتها ؟ ماكل هذه الجمل
والأشعار والأمثال والحكم والأغنيات, التي تجذبنا وتغرينا
كأسراب الفراش نحو أقدارنا ومصائرنا ؟ إما الى حضن
بستان أو حضن جحيم !
يقال بإن لجرس الكلمات الموسيقي تأثير بالغ ٌ يفوق مدى
جودتها وصور البلاغة بها , وذلك مايفسر كيفية تولعنا
بأغنية أكثر من تعلقنا بقصيدة , وكيف نتمسك بمثل
- حتى لو كان غبيا- كعقيدة !أكثر من تمسكنا بحكمة
مبهمة ولو طليت بماء الذهب , وحدها الأمثال هي من
تكسب أخيراً كل القلوب بينما الحكمة قد لاتتبناها كل
العقول أو ترضى بها فيصبح دخولها عبر شرايين القلب
مكروه جداً .. ! ولهذا امثالكِ هي من انتصرت علي أخيرا ,
وسحقت كل فيالق الحكمة , ونياشين التعقل لدّي ! لأنها
ببساطة تُشبهك كثيراً في الوضوح , وفي المباشرة ,
وتؤكد تماماً صدق تهمتك الجاهزة لي بإني لست سوى
كائن متشابك ,و شديد التعقيد !
كنت قد خضت معكِ كل مرافعات الحب, وجلسات الإستماع ,
وخسرتُ أنا كل القضايا وفرص الإستئناف الممكنة , ذلك
لإن جرس النزاهة لديك عندما يرن في داخلك , تظنينه
وسواساً من الأجدر أن يُبتر باليقين,لم أكن أملك للأسف
حججاً مقنعة للدفاع عن أسوار كبريائي لذلك جاء اكتساحك
لخط دفاعي الأخير متقنا للغاية , جعلني أسلم لك مفاتيح
روحي بكثير من الفخر والإعتزاز, والاستسلام الجبري,
حتى انصعت أخيرا لمنطق القوة وأن أدفع الجزية بكل
رضا واقتناع !( امنح الحب ولاتنتظر المقابل ) ,
حكمة غبية أخرى أقتلعها الان من قاع رأسي .. !
* * * * * *
قولي لي أي قانون لو أني استخدمته سينجح معكِ ؟ أي خوارزمية
ممكنة الحل كانت ستجعلني أحل المسألة الصعبة التي تورطنا بها مؤخراً ؟
أي اللقاحات المانعة للتجلط كانت ستبقي سيولة حبي لك أطول فترة ممكنة ؟
حقا لم أقدر حجم ضياعي بالتحديد , إلا بعد أن أدمنت أخير " مسكنات الكلام " !
تلك التي تتشربها خلايانا العصبية ذات انتشاء أول, لنتصرف وفقها
ك ديانة سماوية تستحيل بها فرضية معاملات الدقة ونسب الخطأ .. !
كان دمارا علي حقا أنني عشت كثيرا في هذا التخبط القسري بين
قوانين من سبقونا بالمعجزات , وبين من يتنبئون لنا لاحقا على
ماذا تؤول له نبضات قلوبنا وخلجاتنا , ان نحن اتبعنا مايقولون ,
وخضنا أودية كانوا بها يهيمون !
تلك الكلمات التي نجعلها " مورفيناً " , يخدر كل خيباتنا وفشلنا ,
الكلمات التي تربت على أكتاف الأوجاع العريضة التي خلفها لنا
العمر وأورثتنا الإنحناء بتعاطف ساخر .. !
كنت أسارع كالمصعوق عقب كل مؤتمر يجمعني بكِ على
طاولة الحرمان .. إلى شيء يخفف من حدة جحودك ولو
كان ذلك في جثة أغنية , أو تابوت رواية , أو حتى غفوة قصيدة !
حتى اني ابتكرت طرقاً جديدة للماسوشية , عندما أبحث عن أخوتي
في الحرمانية لساعات طويلة في أزقة شاشات هوليود السينمائية ,
كنت أراقب كيف تتصرف كاركترات العشاق أشباه حالتي عندما
تتقيأهم قلوب حبيباتهم فجأة بكثير من قرف اليأس, عندما تصفعهم
الأقدار فجأة على الخد الأقرب للظن أنه سيصبح يوماً ما مرتعاً لقبلات
حبلى و جداً خصيبة !
كم تمنيتُ حقا أن يكون لي خيال كخيال johnny deep في
[the finding neverland ] أو أن تكون لدي نفس فوضوية
وعبث andy garciaفي modigliani amido.. أو على الأقل
أن تكون لي سحنة قريبة الشبه والتأثير بملامح hugh grant
في ذلك الفيلم الذي ادخل فيه نجمة هوليود الساطعة جوليا
روبرتس الى شقته المتواضعة في Notting hill ..
كنت أتمنى كل هذا وأكثر , كل ذلك كي أثير فيكِ حفنة من
الإعجاب أزيد بها رصيدي الإئتماني من الغرور ,
لإتمام بقية إجراءات الحب الروتينية في هذا البلد الجاف
ذو المظاهر الكاذبة ,كنتُ لأصهر لك كينونتي وهويتي في
أي قالب أتوقعه أن سيروق لكِ ,
كنت لأتمدد أمام طاولتك كقطعة عجين مستديرة ,
تشكلينها بأصابعكِالطويلة بأي نقش أو شكل ..وتتناولينه
بعدها بشراهة من يأكل فطيرته
المحببة !لم أستطع أبداً معكِ أن أكون أنـا , أنا وأنا فقط ,
بل كان معي ذوات ومسوخ كثر ! بل كنت التمثال الذي تتباهين
بُحسن صنعه وجودتهأمام الجميع ,ذلك المنحوت الأصم الذي
أصبح لك كما أردت ,منتصباً بلا حراك في ساحة أيامك
العريضة !
* * * * * * *
تلك كانت هي مطالبك ِ لإجتياز الإمتحان المبدئي , ذلك الذي أفنيت
فيه كل جزيئة من سهري , أملا في أن يتلون وجهي بالأبيض ,
أوبعلامة جيدة في التقويم التحصيلي الشامل لمادة حب لم أكن
أصدق أبدا - من الفرحة طبعا- أن درجتي لديك كانت على
شفى حفرة من الـ D مع كثير من الشفقة المبطنة , كنت
أعي ذلك من ذبذبات عينيك الواضحة آنذاك , وكم أعد
نفسي ساذجا أبدا وأنا اتذكر رقصتي الفرحة عندما علمت
أني حزت أخيراً لدى ضميرك الناعس .. على تقدير
" مقبول"ولكن دون علم مني أنها كانت مع مرتبة
الحزن الأولى " !
" العوض ولا القطيعـة " .. ياسلاااااااااام
ياللسخرية ! مثل غبي آخر جاء به العقل الباطن
في تلك اللحظة , أحفورة كلمية من عبقرية جينات
أجدادنا الفذّة , كلنا نعرف أن هناك صفات وراثية
تنتقل عبر الأجيال, اذن لاعجب أن يكون الغباء إحدى
الشفرات العديدة التي ليس لنا حيلة بتاتاً في تجنبها ,
أو الحد من ديموتها !
أليس كان من الأسلم أن أجتث حزني من جذوره بدلاً من تخديره
البشع بهذا الشكل ؟ .. أليس كان من الأجمل أن أفرغ دمي من
كل كريات الكلمات والأشعار , والأغنيات ,والمووايل ..؟
قبل أن أسكبها كاملة في فم جميل ,
لايفرق بين كونه احتسى بروية دماءا حارة ,
أو أنه امتص بقرف عصيراً من التوت الـ fresh .. !!
أم تراني كنت أنا الذي لم يميز جيداً منذ البداية في أن
من يمارس الماسوشية على نفسه بتلذذ , انما تدفعه
سادية متخفية متأصلة تنتظر الوقت المناسب لتبدي
عورتها الذميمة ؟
" مورفين الكلمات " ذلك هو عالمي السري الإفتراضي؟ ,
وكما كانت هي فلسفة القناعة ( الكنز) – كفرت بها لاحقا –
تلك التي أُجبرنا على ابتلاعها تحت ضغط ( الملائكة الإفتراضيون)
, الذي كان إيماني بها يصل الى درجة الأنبياء, فرضا وليس اختيارا,
حيث انه لم يتسنى لي آنذاك أن أمتلك مفاعلا حقيقيا لتخصيب القناعات !
اقتنعت بكِ كثيرا يا أميرة, كثير جداً وبحدكِ الأقل البسيط من الحب
المعلب المغشوش الذي كنت تطعمينه لي كفتات من اللحم النيء كما
تطعمين به حيواناتك المنزلية .. !!" لقيمات يقمن بها حُبي " حتى
لو كان الثمن هو هزالي وشحوبي وقلة حيلتي الناتجة عن نقص
التروية ,اقتنعت بكِ أنت وحدك ككل مابقي من كنز لايفنى ,
ولكنكِ أفنيت روحي يا أميرة ! أحرقتيها تماماً قبلكِ كنت صندوقاً
خاليا لايملؤه الا التراب وعندما امتلأتُ بإكسسوارات حبك الباهتة,
عشت في خدر لذيذ بإني لُب الكنز وحافظ ولاياته كوني كنت
صندوقك الأمين .. وليتني كنت ذلك المكين !
· * * * * * * * *
·
·
كنت سأكمل هذه الرسالة المطولة لاحقا بعد أن أفرغ من رشوتي
لأفكاري بسيجارة منتظرة !ولكن قطارٌ من الأسئلة كان قد نصب
سككه الإستفهامية حول محيط رأسي وبدوران سريع هل سأغلفها
بمظروف عادي أم أجلب لها مظروفاً أنيقا ولائقاً بهذه النهاية ؟
مالضرر لو جلبت لها هدية أخيرة , قبل أن أسارع بحرق روما ؟
ومالذي سأخسره أصلاً لوأني تصرفت بتواضع المنتصرين المهيب
عندما يطلقون أسرى أعدائهم للحرية .. ؟هدايا , أوراق؟ ,
مظروف أنيق ؟ برفقة ورقة طلاق !!أي مجنون سأكون لو
تصرفت بهذه الخيالية الخرقاء , والدراما المنفرة ؟ولكني
استحسنت الفكرة وأصابتني حماسة شديدة للشروع في
انفاذ الحكم , أي براءة اختراع جميلة ستكتب بإسمك يا طلال .. ؟
وقبل أن أنهض من على كرسيي المتخشب منذ حروف ,
أصاب هاتفي الصغير وقتها تشنج موسيقي قصير ,
ليبشر بقدوم رسالة جديدة ! كانت الساعة الإلكترونية تشير
بجانب سريري الفارغ حتى مني نحوالـ 3:02 صباحا,
( على رأس الساعة تقريباً ) وان جاوزه بشعرتين ,
أتذكر أنها أيام الحب الأولى لاتأتي هواتفها أو رسائلها
إلا في رأس الساعة تقريبا يزيد ذلك أو ينقص قليلاً ,
كنت أسألها ممازحاً عن ذلك , فتجيب بإن للصدفة دور
في ذلك لا أكثر . شعرت بوخزة خفيفة وانا أجتر من
ذاكرتي عربة ذلك الحديث وأمشيء ببطء نحو هاتفي
الجاثم منذ المساء فوق جهاز التلفزيون النائم , أمسكت
بجثته الباردة لأقرأ ماذا يخبيء لي هذا الميت في جوفه
الشبه فارغ من الكلمات ؟ فتحت الوارد لأرى إسم المرسل
لأجد رقماً ظننت أن خاناته العشر سُتمحى وان كان جُرد
من ألقابه ونياشينه قبل أكثر من ثلاثة أسابيع ليصبح
رقما أجرد كبقية الأرقام التي ليس من الضروري أن
نترك لها مكاناً , حتى لو كانت ذاكرة هاتف, هو رقمها إذن
ولكن دون ( حياتي ) يتصل بك .. !!
قرأت بصعوبة رسالتها المتخمة بحروف كتبت على مايبدو
دون تركيز, وصورة مرفقة ومقطع قصير لأغنية (والله مايسوى)
التي لطالما جزتني بكائيتها من الوريد الى الوريد !
- " طلال حبيبي , قسم بالله أحبك أكثر من روحي ,
انت فهمتني غلط حرام عليك , انا ماتكبرت عليك
لا ولا بدلتك بأحد , لاتخليني كذا لوحدي ,
واللي تبيه عيوني تعطيك اياه "
انفجرت كبالون بكاء حينها وأنا أمرر حرقتي على
أزرار الهاتف لأحرر رداًبسرعة قبلة على الخد ,
بيت شعر قديم على لسان أخي الأكبر في الجنون .
أغرّك مني أن حبك قاتلي
وأنك مهما تأمري القلب يفعل ِ .
-تمت
2006