يا صديقي، سأقولُ لكَ أمرًا. لا لا، سأقولُ أمورًا. لا لا لا سأقولُ أمورَ كثيرة، كثيرة جدًّا. لذا اترُك كلَّ ما يُشغِلُك، ودع عنكَ نفسَك، دع عنكَ كلَّ شيء.
استمع إليّ، ولا تنِ في إظهارِ الاهتمامِ بي، اجعلني أراكَ مثلَ أذنٍ كاملةٍ كبيرة، أو تأثّر بما أقول، اجعل وجهَكَ يتمعّرُ عند انعطافي لأمرٍ يُؤلِمُني. سأبدأ حديثي بسِر، انتبه لذلكَ جيّدًا، ولا تخبر به أحدًا. إن قلبي بابٌ سهلُ الفتح، الجميع يستطيعُ الدخولَ إليه دونَ عناء، لن يكلّفكَ الأمرُ إمساكَ يدِه وفتحِه، لن يكلّفكَ الأمرُ سحبه إليك لتدخل، بل سيُفتَحَ دفعًا، هكذا مِن تلقاءِ نفسِه، وبذلكَ أيضًا يظهَرُ للجميع ما بداخله بكل سهُولة، حتى أنَّ مَن يُريدُ اختلاسَ النّظر بإمكانه أن يفعلَ ذلك دونَ أيَّمَا عناء. هل قلتُ أن قلبي بابٌ سهلُ الفتح؟ آه. نعم. صحيح قد قلتُ ذلك. هل تعلم أنه أيضًا لا قُفلَ له. نعم هكذا هُوْ، بابٌ صُنِعَ كي لا يُقفَل، الجميعُ مُرحَّبٌ بهم، حتى أن في صدره نافذةُ زجاج، أصفى منَ الماءِ الرّاكِدِ، كلُّ إنسانٍ يستطيعُ الرؤيَةَ من خلالِها، ولا حاجةَ لاستئذان، فهو بالفعل ليسَ له قفلٌ، والسّجادةُ عندَ أسفَلِه تقولُ للجميع: welcome. أي لا حاجةَ للتردد في الدخول.
أوه يا صديقي ثرثرتُ كثيرًا، لا عليكَ ليسَ لكَ اليومُ عملًا غير أن تُمثِّلَ لي كلَّ مشاعِرٍ أطالبُ بها منك.
دعنا نُجرّب قبل البَدْء: أنا أتألّم ...
ممم جميل.
إنّي أبتهِج ...
أوه أنتَ بارعٌ جدًّا.
أَوَتكونُ أبًا؟ أو مُربٍ في حضانة؟ ولكن المربّين في الحضانة ليسُوا ذُكُورًا، هم فقط إناث. أوه! وجدتُ تشبيهًا أفضل، رُبَمَا تكونُ القسّيسَ الذي تعترفُ له الناسُ عن خطاياها التي ارتكبتها. أجدُ ذلكَ مناسبًا حدًّا ما. ما رأيُكَ أنت؟
لا لا لا. تذكّر. لا نُطْقَ يُمكِنُكَ ارتِكَابُه. عبّر فقط بوجهِك. أو أَوْمِئ برأسِك.
عمومًا لا يُهِم، فأنا قررتُ تشبيهَكَ كيفَ يحلُو لي.
حسنًا.
الليلة. قمتُ بخرقِ مبدأٍ لدي. أعلمُ أنكَ تتعجَّبُ أن صنعتُ ذلك. لا بأس. فالمبادئ لم تُخلَق إلّا للخرق. أَوَليس؟ لا لا صحيح، لستُ بحاجةٍ إلى أخذِ شيءٍ منك.
وإنّي أعُودُ إلى تذكيرك، فكُن كالوعاء، وإيّاكَ أن تنضَحَ امتلاءً، كُن ذا قَعرٍ عميق. كما إنّي أحبُّ الأوانيَ المُزخرفةَ بأشكالٍ وألوانٍ مُختلفةٍ لورود، وَلْنَقُل وردةٌ بنفسجيّة، ثم يُغطّي جزءًا بسيطًا منها وردةٌ صفراءُ، ثمَّ وردةٌ زرقاءُ، يغطّي جزءًا منها وردةٌ حمراءُ، ووردةٌ زهريَّةٌ، يغطّي جزءًا منها وردةٌ بيضاءُ، هكذا تصبحُ إناءَ وَرْد، ليسَ لكَ لونٌ ما أسفلَ الوُرُود، إنما تكونُ ضَرْبًا كاملًا من ألوانٍ مختلفة. زاهية.
دعني أرى ...
هل يمكنُ أن تتمثَّلَ شكلَ هذا الإناء.
أوه! لا يمكنُ أن تصلَ لهذا الجمال. نعم. فجمالي لا يُمكنُ أن يُضاهَى.
هل تشعُرُ بالإهانةِ يا صديقي؟
لا عليك. فهذا من ضمنِ الأمورِ الكثيرةِ التي كنتُ أخبرتُكَ بادئَ الحديث أنني سأقولُها.
فعليكَ بالصّبر. ثمَّ إنني سَبَقَ وقلتُ لكَ دع عنكَ نفسَك.
يا صديقي، إنَّ الأقدارَ التي تُسعِدُني ...، لمَ أشعُرُ أنها تُخطِئُني؟ مرارًا وتكرارًا؟
ثمَّ إني أتسائلُ عن قولِ محمود درويش: لا نصيحَةَ في الحُب، إنّما التجرُبة.
هل هذا يعني أن الاستشارةَ في الحب أمرٌ غيرُ صواب؟
أوَتعلم. الحديثُ في الحُب مُرهِقٌ تمامًا. مثلَما تُرهِقُنا أنوفُنَا حالَ الزُّكام، فهي لا تكُفُّ عن إجبارِنَا استِخْدامَ المحارم.