العاطفة ... والصورة الشعرية

[محمد مهاوش الظفيري]

من خلال عملي في حقل القراءات النقدية للنصوص الشعرية في الأدب الشعبي ، أستطيع القول إن بعض المتابعين للنصوص الشعرية يقعون بالخطأ عندما يحاولون اقناص الموقف العاطفي في النص عن طريق الوقوف على الصور الشعرية عند هذا الشاعر أو ذاك ، لأن الصورة الشعرية تعبر عن فكر ، بينما العاطفة هي نتاج لانفعالات الشاعر ومدى تأثير هذه الانفعالات على المتلقي ، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى أن الصورة الشعرية أشبه ما تكون بالحالة الجامدة ، بينما العاطفة أمواج متحركة تتموج داخل النص الشعري ، وذلك أنها تعلو وتهبط ثم تهبط وتعلو أحياناً حتى في القصيدة الواحدة ، لأنها تعبير عن حالة نفسية يتداخل فيها الرضا والحزن والقبول والهجران ، وهذا واضح ومكشوف من خلال تعرفنا على العديد من نصوص الشعراء التي قمنا بالوقوف عندها , وخير مثال نص الشاعرة كبرياء " برج المملكة " حيث كانت العاطفة متموجة فيه بشكل غير مستقر , وكذلك نص نواف المزيريب " صحاني الصبح " الذي كانت فيه الفكرة طاغية على وتيرة العاطفة فيه , مع العلم أن النفس العاطفي كان يتصاعد بشكل ملحوظ , لكن الانسياق وراء الفكرة واتجاه الحركة فيها , كان أعنف من العاطفة في هذا المجال .
من خلال هذا الكلام نستطيع التوصل إلى أن العاطفة تنبع من قدرة هذا الشاعر أو ذاك على تفجير عوالمه الداخلية في النص الشعري ، ومن ثم بعد ذلك تنبع من قدرته على تحريك هذا العالم المخبوء بين حناياه باعتبار أن كل نص شعري حياة بمفرده لا علاقة له بالنص الآخر حتى عند الشاعر الواحد - وهذا الرأي يتوافق مع رأي الفيلسوف الألماني نيتشه من أن كل فرد كون بأكمله وعالم بحد ذاته , وهذا الرأي جاء كتأثير للبوذية عليه كما يقول الدارسون له - , حيث تختلف هذه الحياة في هذا النص عن أوجه الحياة الأخرى فيما تبقى من نصوص الشاعر ، وعلى هذا الأساس فإن بالإمكان إيجاد تقارب أو بإمكاننا لمح أوجه التشابه في الصورة الشعرية المعتمدة على لغة الشاعر غير أننا لا يمكننا تحديد هذه العاطفة لأن المواقف التي يمر بها الشاعر كإنسان والتي تنعكس عليه كشاعر تختلف من موقف لآخر , وهذا الكلام لا يتعارض مع أن الصورة الشعرية لها ارتباط بالمعنى ، فمن المعروف أن العاطفة والمعنى خطان يتحركان جنباً إلى جنب في فضاء أوسع وأشمل منهما ، وهو المضمون أو المحتوى أو جدلية المعنى كما عند أسلافنا الأوائل من نقاد العرب والمسلمين ، وهي المقابل للفظ التي أصبحت فيما بعد " الشكل والمضمون " كما هو معروف في الأدب هذه الأيام ، غير أنه يجب علينا التفريق بين الاثنين في هذا السياق ، وهما العاطفة والمعنى ، لهذا كتبنا هذا الكلام كإيضاح بسيط حول هذه الإشكالية .
الصورة الشعرية المعتمدة على اللغة التي تمثل المفردات عند الشاعر ، إذ أننا نلمح تكرار بعض المفردات عند بعض الشعراء التي تأتي بدون أي قصد منه , بل أن بعض الشعراء يتفاجأ بهذه المفردات عندما يتم التنبيه عليها من قبل الآخرين , وهذه المفردات أشبه ما تكون بالبصمة الشعرية , وبالإمكان أن يلمح القارئ هذه الومضات كما عن بلقيس والهنوف بنت خالد وسكون واستقلال الزامل والحمدي الثقفي وريمية وسعد الحريّص على سبيل المثال .

 

[عبدالله العويمر]

مقال جميل

يعطيك العافيه