جريدة الوطن السعودية-وزير العدل: كل من يثبت تورطه بكارثة جدة سيلقى جزاءه حتى لو استقال , مطالبا بعدم الإسهاب في هذا الموضوع.
الكارثة التي كان للحديث عنها فضل في كشف الكثير من التقصير فيها , ومحاسبة المتساهلين , وفتح ملفات تدقيق واسعة , أصبحت اللجنة التي قامت على إثرها , هي من تريد تكميم الأفواه , وغلق هذا الملف قبل أن يكتمل . و لا يبدو الأمر غريبا , فإن اللجنة ذاتها التي جاءت مدققة أصبحت متخوفة أن يطالها الوعي في مرحلة أدق وأوعى من الشعب , ويحاسبها حتى هي على مدى قيامها بدورها .
هاهو الواقع السياسي لدينا يكرر نفسه , ولا أعني بالسياسي هو ما يسميه الأغلبية بـ " الحكومة " تعميما وتعليقا لكل الأخطاء التي تعود لذات المواطنين في أحوال كثيرة بأفرادهم وجماعاتهم ومؤسساتهم , بل أعني واقع هؤلاء المواطنين حينما يكونون في موقع المسئول , ويتحولون من هذا الدور الذي يرمون فيه كل شيء إلى جهة غير محددة " الحكومة " لآخر لا يطبقون فيه أدوارهم الجزئية في هذه الحكومة ذاتها .
إن الرأي العام لدينا بحاجة ماسة إلى الكثير من التوجيه , وكارثة جدة كانت نقلة وقفزة نوعية للرأي العام في دفع المسئول إلى المراجعة , حيث انتقل إلى قضية واقعية محددة , وأشخاص مسئولين فعليا , وكان نقده بناء وإيجابيا , ومن هنا حدث تغير في الموقع الحكومي والسياسي الذي لم يكن أحد ليثق في عقد أي آمال عليه , ذلك لأن النقد الموجه له لم يكن بناء ومحددا طوال الوقت , وحينما تغير , حصل هذا التغير فيه وتم تكليف لجنة , لمحاسبة مسئول , وبإرادة شعب .
لو أن هذه التجربة تتابعت , وهذا الوعي تنامى بين المواطنين , لتحسنت الكثير من أوضاعنا الداخلية وحتى الخارجية , واستثمرت الجهود العامة والجماعية في إحداث تحركات فعلية تدفع واقعنا العربي نحو مستقبل إصلاحي مميز , وربما يظن بأن هذا الكلام ذاته غير واقعي , وأن الواقع العربي يمر بأزمات معقدة لا تعود للرأي العام وحده , ولكن لو نظرنا فقط لقضية صغيرة تخص كرامة هذه الشعوب , مثل الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم , لأدركنا كم نحن في حضيض التفاعل , لدرجة لا نستغرب أن هناك تأثير كبير منه على قضايانا الكبرى .
حينما انتشر خبر الرسوم المسيئة عبر وكالات الأنباء الموثوقة , أصبح هناك تخبط في مدى التحرك من عدمه , وردات فعل متباينة ومتصارعة في مدى حكمة تحرك دون آخر , جاء من يقلل من حركة الشعوب في المقاطعة الاقتصادية ويعدهم بالفشل والحمق , وآخرون ينعتون ناشط مثل عمرو خالد بالمتماهي حينما ذهب لحوار الدنماركيين في بلادهم . كل هذا حدث على مستوى القيادات الثقافية التي أخذت تتعالى على هذا الشعب الغاضب المجروح , وتخلت عنهم معنويا كما يتخلى السياسيون حركيا , ودون أن يتركوا المجال للشعب بالتحرك بل يحاولون خرطه في سكونهم وكبت تحركاته .
في نفس الوقت الذي تجاهل فيه أعلام الفكر والرأي حاجة الشعوب للتحرك ولو بمقاطعة رمزية فاشلة , ولو بحوار لا يحقق نتيجة , فإن القلق المتزايد والكرامة المسلوبة دفعت الكثيرين إلى إعادة الحدث بشكل وهمي غريب , وتناقل أخبار دائمة عن رسوم جديدة وإهانة جديدة , ما هي إلا تلك المهانة التي ترسبت في لاشعور هذه الشعوب المغبونة والمهدرة كرامتها . ولم يكن المسئولين والرموز حاضرين لحل هذه المشكلة التي لا يرونها , بل تركوا لأصحاب الوعي والمتصلين بالرأي العام الابتلاء بهم , وهاهم يكررون الكبت , ويكممون الرأي العام عن التكلم بما يراه وما يحدث في بيئة لا يدركها غيره , ولا يستطيع نقلها لذات المسئول غيره !