" بدا لي ونحن نُدخن ونشرب القهوة ونملأ اللحظات بأنفاسنا؛ كأننا على خشبة مسرحية؛ وأن الجالسين في الغرف الأخرى؛ أو الذين تطقطق "كنادرهم" في الممرات؛ هم المتفرجين. لم يكن الأمر يحتاج للوقت الطويل كي نتلمّس نظرات التعالي لمخرجي التلفزيون في الغرف المقابلة؛ أو نظرات السخرية وهم يتوقفون قبالة الباب المفتوح لغرفتنا؛ ونحن نصخب بأحلامنا على هذه المنصة".
" وحشة الأبيض والأسود" هو يوميات سينمائية، ألجأ إلى كتابتها كلما كنت في حالة من "العطالة" أو الانتظار، تعويضاً عن كتابتي بالكاميرا، فاستعين الكتابة بالقلم.. بهدف رصد وتوثيق التجربة، وعرض المشاريع التي سعيت لتحقيقها بصيغة تنتمي لعالم الأدب، وكشكل من أشكال الأدب البصري.
رصد لتجربة العمل خلال عشر سنوات، لسينمائيين عادوا من الدراسة الأكاديمية (1973) وأفرزوا للعمل في التلفزيون، فوقعوا في وهم أن وجودهم في التلفزيون تعبير عن حاجة "حضارية" كما هو سائد في الكثير من التلفزيونات في العالم، بقصد المساهمة في إغناء الإنتاج التلفزيوني بتصورات سينمائية، وفي دفع التلفزيون للمشاركة والمساهمة في الإنتاج السينمائي الوطني - خاصة وأن التلفزيون السوري في تلك الفترة، ربما بسبب إدارات شجاعة ومتحررة من البيروقراطية، كان صاحب السبق وليس مؤسسة السينما، بإنتاج الأفلام الوثائقية، التي أسست للسينما التسجيلية في سوريا وحظيت بالكثير من الاهتمام في مهرجانات دولية هامة.
توثيق هذه التجربة في تلك المرحلة، هي الفترة التي عدت فيها من الدراسة والتي تزامنت لسوء الحظ مع ضبط المبادرات الإدارية الفردية، وإعادة الإمساك بآلية العمل في التلفزيون...
كما يتضمن الكتاب النصوص الأدبية للمحاولات والمشاريع التي سعينا لتحقيقها، والحوارات العديدة مع الإدارات المتبدلة، وكيف يتم إجهاض المشاريع والحيلولة دون تحققها.
إن نشرها في هذه الأيام، لا يكمن في أهميتها أو قيمتها الفنية، وليس للقول بأننا كسينمائيين لم نكن غائبين. إنما للتأكيد على أنه بلا حرية لا يمكن للسينما أن تقوم بدورها. لكن وعلى الرغم مما حل بنا، أن يكون المطلوب منك كسينمائي ليس أن تكون صاحب "السؤال". وهو الأساس الذي تنتمي له كمثقف أو كمبدع، بل صاحب "الجواب". وأن تنحاز لفريق ما لكي تُصنف في خندق مع أو ضد، ولكي لا يكون أمامك إلا أن تطلق "الأفلام" رشاً ودراكاً.
يصطادك السؤال، فلا تجد إلا أن تتجرعه بألم، وترفض أن تصطاده أنت لتستعرض مهارتك في أن تحوم حوله دون أن تقوم بمكاشفة حقيقية وصادقة.. فالسؤال دون الحرية مع نفسك لا قيمة له. فالسينما التي أعرفها والتي اخترتها لا يمكن تحقيقها "تحت الأرض"، ولا بد من أن تكون علنية، وبلا مال لا تتحقق...