" فكر فيما سيكونْ عليه شُعورك في الغَدِ ، فالأمس قدْ مضى و اليوم يُوشك على الإنتهاء "
بلزاك
" آرتميس ، هيّا انهضي وَ تحلّي بزينتكِ فالقوْس وَ السهم قد اعتكفا بيَن الأيل وَ شجر السَروْ وَ العازفاتِ يعشوشبن بنغم باذخ . فلم يعد زيوس و لا ليتو وَ لا حتى توأمك أبولون دانون فِي الآفاق ، هيّا اصقلي قوسكِ الفضيْ الذي صنعه لكِ هيفيستوس وَ انطلقي بعربتكِ الفضيّة لتقصّي مُجرمي الصيد .. "
قرأت دانة هذه السطور التي كتبتها ذات صدق لصديقتها القريبة " أسيل " وَ هي تشعر بحسنةِ بر الكلمات التي تولد من رحم الصدق . لعقت الخفايا المحيطة بالسطور وَ لا تزال عازمةً على المضي قدماً و تحطيم كل الأطواق المتعبة التي فُرضت عليها لجرمٍ لم تنتسب إليه إلا عُنوةً وَ قرباً . بين أمٍ مُفرطة النرجسيّة صاخبة وَ مُتمرّدة وَ أب مُتسربل بالثقافة وَ التحرر من كل كهنوت عُرفي وُلدت " دانة " و لمست كل المساحات الإيجابية المنعكسة ظلالها الوارفة من أبويها ، و لعل مَا تفيأت به من والدها أكثر . لمْ تعرف والدتها كثيراً إذ أنها اختارت الهجرة وَ تركتها في حضن جدتها وحيدة ، وَ لاذت هاربةً معْ مَنْ اختارت تاركةً خلفها طفلة بعمر الست سنوات وَ زوجاً قد طلقها و جرحه منها لا يزالْ ملتهباً وَ الذكريات تذر ملحها من حينٍ للآخر ليتفتّق الجرح أكثر.
نشأتها كريمة وَ طبيعية و الجانب المفقود قد عُوّض فراغه بحنان الجدّة الأم صاحبة القلب الأبيض و الجود الكريم و والدها أيضاً لتحرره المبكر من كهنوت الجمود لم يحمّل طفلته البريئة خطيئة أمها ، بل أنه أطعمها الكتب و الثقافات التي قد استطعم و جعلها مختلفة مطلّعة و من هنا كانت حكاية تعرّي الغصون من الأشجار الأم ..!
أغمضت دانة عينيها فِي معبدٍ نرجسيٍ عتيق ، وَ هاهو بُخور مِنْ صدى يعبق فِيْ المحراب.
لتستجّد على دخانه ذكريات ليال مؤودة فِي كتفِ قدرها وََ الصور فيِ تتابع ، و هي قد حددّت على المقال الذي عقبّت به على د . عبد الوهاب و أرسلته لِمَنْ شجعّها وَ أخذ بيديها بعد والدها ألا و هو سلطان . الرجل الذي صنع مِنْ دانة أديبة تُلهمها هسهسة النجوم وَ تتقطر بين يديها الغيوم . تُداهمْ الصمت بِقلقها المرتقب خصوصاً وأنها قد زادت من جُرعة القراءة النقدية لأفكار د . عبد الوهاب ، وَ تساقطت لوحات القلق من حائط آفاقها بعدما قرأت الرد الفوري من سلطان و هو يشيد بقدراتها وَ ختم قوله برسالة رقيقة سرقت ظل القلق و أبدلته نشوة و آمل . ابتسمت متفائلة وَ غدت تراقص المونولوجيا التي لا تفارقها لإعتيادها على محادثتها :
مِنْ أين جاء هذا الشوق فِي الدروب ِ ؟
وَ ذلك الوله يمد للقلب مَخالبه ليصرعُني أسئلة لاَ إجابات لها
" دانة " لا ترى غير أوكار ليل يُراقصها الريح وَ تُزمجرْ الأسئلة بها حدةً وَ تمرداً
أرخَت عينيها لتنسَى الضفاف وَ كحلتها بوشمِ الراحلين ، مرّت على القلبِ " والدتها " ، " سُلطان " ، " والدها " وَ أخيراً صديقاتها " أسيل وَ هديل وَ رُبى "
زفيرُ الشِفاةُ المُتَورِّدة وَ المُكتنزة يلعق مَا تداعى لها مِنْ خطرات وقتئذِ
" البُشرى ... البُشرى يَا قَدر .. فصهيلُ حصان عربة " آرتميس " الفضيّة قَدْ جاب المملكة الدانيّة وَ انشطر العِنَاء ، وَ السأم فاهجر "
لا تعلم لِمَ تراءت لها هذه السطور و التي قد كتبتها لأسيل أيضاً في نفس المقطوعة السابقة ..
أقدار تهربنا لأقدار و قد نتشابه يا أسيل وَ لو اختلفت التفاصيل !
كلانا تفاحات محرّمة في نظر رواد الثقافة الإجتماعية التحصيلية ، كلنا تفاحات محرّمة عقولنا قاصرة لا تُحاذي عقول الرجال في وطننا .. و أية عقول هي تلك ..!
حقيقة لا أرى أية إختراعات و لا إنجازات من أولئك الذين يتسابقون في القول أن الأنثى " تفاحة محرّمة " عقلها ناقص و أكملهن لباً كخريشِ الإبل !
تلقنّوا هذه العبارات و المفاهيم و أصبحوا يرددونها كببغاوات ثرثارة لا يعلو صوتها إلّا عندما تتخلل أشجارهم موسيقى هادئة .
دمعةُ دانة تُعاشر أحذية الراحلين ، لتنام على آخر الذاكرين وَ تصحو على خُطى القادمين
تَتعالى رنّات جهازها النقّال ، لتصحو من سُكرة صبحٍ في شتاءٍ آثم وَ تلتقطه بهدوء ..
ابتسامة مخضبّة بالرضا تزيّن وجنتيها ، لِتسحب تنهيدة وسط وجعين
دانة : طاب صباحكِ ، بادئ ذي بدء أطمنّك أنني بخير
سُلطان و قد توجّس خيفةً مِنْ نغمة صوتها التي تبدو لمسامعه و كأنها تلاوةُ سماوية تستحث مشاعره للتبتل وَ لكنْ يُخال له و كأن شيء شوهّها مِنْ أنفاث الجِنِ المُتطفّل ..
بعد برهُة ، اسْتَدرك قائلاً :
صباحكِ مزيجٌ من البيلسان ، يسرنّي أنك بحالٍ أفضل و مَنْ يكتب و يفنّد تسرقه الدقائق
ابتسمتْ بعدما مددت ساقيها المتورمّتين بسبب الوقوف الـذي استهلكته و اسْتهلكها مليّاً أمام الشُرفة الـتي تُطل على حديقة الميدان العَام فيْ تلك المدينة الغاضبة
مشاغبةٌ قالت : كيفْ كان يومك يبدو نشطاً !
سُلطان بعدما أخمد " السيجارة " الـتي لا تؤمن إلا بهذه الأجواء لأن طقوس سُحقها مُتشابهة فهاهو يقتلها بفعل تكويره و إصراره على إخمادها قائلاً :
مملوءٌ بشوقكِ وَ مُدان لصياغتك الأكثر من رائعة .. ما هذا الجدل الأدبي الأنيق
يا الله هل تعلمين أيتها الأديبة الصغيرة كيف أن ساعاتي البيولوجية قدْ رُتبّت كما هي ساعاتكِ المجنونة !
في يدها اليسرى تعبث بخصلات شعرها الأسود الداكن ، و يثقلها عجب طبيعي :
أيعقل هذا يا رجل ! و ما يُلهمك في أنثى لو أن القباني نزار خرج من ضريحه لأستثناها مِنْ قائمة نساءه . خمسون ديواناً و أكثر لنزار لا أنثى مما ساق تًشبهني لا فيْ قدرها و لا في صخبها !
سُلطان بتساؤل ساخر نوعاً ما : وَ هل ذلك النزار متهكن له القدرة على التنبأ بأمرك!
دانة : لا طبعاً فأنا لا يمكن التنبؤ بي لأن الأقدار جعلتني مترعة بخيباتها ، و الآخر الحظ امتهنْ ميداني كـساحة للتصارع معه
خلع نظارته الـتي قننّها مؤخراً لضعفٍ في بصره بسبب إعتكافه كثيراً في عيادته في ذلك المستشفى الجامعي
قائلاً :
دانة الأديبة الرائعة ألا زالتِ تؤمن بالحظ ..؟ ما هذا الهِراء ! الحظ ، العين ، السحر كلها ميتافيزيقيا و ما ورائيات لم ينزلْ الله بها من سُلطان
كبرياءٌ مُدجّج بلفحةٍ مِنْ أنين صرخ مؤذناً في داخلها " لا تُعلقّي هذا الدكتور العنفوان في لُجة مأساتك ، فلا هو يستحقْ الخسارة و لا أنتِ تستحقين "
دانة و هي تقتنص فرصة لتعلّق نرجسيتها بها وَ تسدد الثغرات السلطانية في حياتها :
نعمْ أؤمن بالحظ و أؤمن بالعين و أؤمن بالسحر و بوجودِ الجن أيضاً ، و هذه يا صديقي الدكتور المثقف من المتفقات الإنسانية قبل أن تكون من المتفقات الدينية بين الشعوب
ثم أنَّ الله تعالى قال في كتابه المقدّس القرآن الكريم " وَ لا يلقّاها إلا ذو حظ عظيم "
بهدوء يرفأ بحالها الـذي تبعثر بفعل حماسها العاطفي في الحوار ، و لا يزال يحاول أن يمتص أشعة غضبها و الذي تكبحه في بؤرة قلقةٍ جداً ، أزاح ثمة وريقات أمامه و قال :
دانة الحظ لا يعدو عن كونه قوة نعلّق عليها إجتهاداتنا الخفيّة ليس إلا !
دانة بشُغبٍ تفعّل مبدأ " ابقَ هادئاً كي ترتفع نغمة مَنْ رفعْ نغمتك " بضحكةٍ مخلوقةٍ مِنْ وسط وجع قالت :
" اووووه " نسيتُ أن حضرتّكم أطباء و العلم و الثقافة و حتى الفلسفة الـتي تشربتّموها مغايرة عن العامّة
سُلطان كنس سخريتها تماماً لإدراكه بضرورة تغاضيه و تضامنه معها في هذه الفترة الحرجة من حياتها
سلطان : عطشى أنتِ إلى طبيب يضمّد إلتهاباتك ، إذا لم تطببكِ دواوين القباني نزار و لم تداويك روايات مستغانمي وَ لم تطعّمك الأمصال اللوركية بشيء فماذا أنا بفاعلٍ إذاً ؟
هلاّ أفصحتِ عما في جوفك بعد الذي حدث !
فأنتِ صامتة وَ الصمت داء من يكتمه يُعيّه شفاءه أو لم تسمعي قول جالينوس " من كتم داءه أعياه شفاءه " ، أقد نسيت تلك الوعود مني ؟
دانة مستعينة بقول جبران خليل جبران : " ليس من السخاء أنْ تعطيني ما أنا في حاجةٍ إليه أكثر منك ، بل السخاء بأن تُعطيني ما تحتاج إليه أكثر مني .. أنت رحومٌ إذا عطيت ، وَ لكن لا تنسَ و أنت تُعطي أن تُدير وجهك عمنْ تُعطيه لكي لاَ ترى حيائه عارياً أمام عينيك "
سلطان : كل الحواجز قد حطمنّاها سوية ، أو لا تذكرين ..؟
دانة مبتسمة : أيضاً تقول مستغانمي أن بعض الأسئلة تورط العشق يا سلطان
سلطان حانق بعض الشيء : حسناً و لِمَ أنت مرتدية لهوية منفصلة عن هويتّك ..؟
سئمت يا عزيزتي من صمتك !
فو الذي نفسي بيده الصمت لن يجديك شيئاً غير الآهة ، أعلم تماماً غُمة ظروفك وَ لكنني أعجب من صمتك الـذي أطبق شفتيه مؤخراً .. !
حتى مقالاتك بدأت و كأنها توجه شرارت عصبية
دانة مشتطة غضباً : و ما يجدر بأنثى مُكَمْمّة كـ " دانة " أن تفعلْ !
أمها تركتها و هي بعمر الست سنوات و هجرت والدها البسيط الخلوق لتتزوج بالسائق العربي و تُهاجر معه لديار الكنانة ، و لم تكتفِ بذلك بل أنها مزقّت جنسيتها " السعودية " لتتجنس بجنسية تلك الدولة التي لا تفوقنا إلاّ فقراً و رجعيّة ...ماذا أفعل هلاّ خبرتني !
و بعد إحدى و عشرون عاماً و نيفاً تأتي الديار مُصابة و مُعاقة عنْ الحركة بعد أن قام خالي العزيز والـذي هاجر أيضاً إلى " مصر " بتوكيل مَن يقضي عليها لأنها جلبت لهم العَار ..!
سلطان مقاطعاً : كفى بالمرء نبلاً أن يلتزم المنطقية أيتها الأديبة الصغيرة ، ثم أن والدتك حُرة في تحديد مسار حياتها أياً كان ، و قراراتها اتخذتها و هي بخضم نضوجها و رُشدها .. فماذا أنتِ فاعلة إذاٍ .. سأخبركِ ! يتوجب عليك التجاوز و الصفح و إستقبالها بكلِ الحنين و الشوق ، ثم أنه بلغني أنها تحمل سرباً من الأطفال .
دانة ضاحكة : ثلاثة صبيات في أعمارٍ مُتقاربة ، الأولى ابنة لذلك الرجل الذي هجرت والدي بسببه و يُقال أنها اشترت تربيتها من والدها الـذي سلب أموالها و تركها فقيرة تعاشر الحزن و الضجر بين تلك الأزقّة ، أما الثانية و الثالثة فهما من والد آخر بعد أن تزوجته مؤخراً و لاذت للمحاكم لسؤال الطلاق أيضاً
سلطان مقاطعاً : شقيّة والدتك عزيزتي و قد قيل " ذكروه ربما كان شقيّاً "
دانة : لن أفعل و لن أراها مطلقاً ، سأشدد علاقتي بوالدي و كفى ، فهو الذي رباني و علمنّي و وصلني لهذه الميادين ..أمّا " منى " فلن أسامحها مطلقاً ، و هي حُرة تفعل ما تشاء و لكن لتنسى أن لها ابنة في السعودية
سلطان : بإسمِ الرحمن الرحيم اكنسي تلك الرفات و تجاوزي ، فالعمر يمضي و نحن مجرد عابرون
دانة بلهجةٍ حازمةً قاطعةً : سلطان كثيراً كنت قد حدثتني بهذا الجانب و تدرك تماماً ردة فعلي ، فلا تجعلنا نستهلك الأمور و نحن قد انتصفناها
سلطان : و إن قرنت علاقتي بك بإتصالك بوالدتك و تجاوزك عنها ، ماذا أنتِ فاعلة ؟
دانة بتساؤل : و هل لديك تلك القوة ..؟
سلطان بأريحية : القوة و المصدر أيضاً ، ماذا قلتِ ...؟
دانة : حسناً اسمع مني ، لا تكثر من وطء القفار , ولا تزرعها تسامحاً , تلك تبتلع ماءك دون حصاد , و الكَلم المقتطف لا يزخرفْ بياضها الذي إزداد إلاّ سواداً . فقطْ اشجب كل الأمنيات و حلّق خارج هذا السرب وَ اسمح لي الآن مغادرةُ أنا لحضن والدي و فقط ..
أغلقت الإتصال و كأن بقايا الحقائق الراجفة تكوي ضلع فؤادها الصغير ، وَ مِنْ خَيبتها العَارمة التي حجبت كُل آفاق الإدراك مِنْ حولها وَ أردتها صامتة جوفاء ، نلمح تحت خاصرة عقلها الأيسر شَامة زرقاء تتنبأ بحالةٍ مِنْ الإرتجاف الـتي لمْ يتزمّل بها نبيٌ بعد ..!
يُراقصها حديثها معْ العقل الباطني فِيْ حَانة الخيبة :
جلس الحَظُ فِي رابية الأيام الخوالي، وَ رحل خلف الظلال الرمادية دون أن يعطيني قيثارة الأغاني الرعوية و سافر راجعاً للعالمِ الطفولة ( أوآه يا دانة أيَُ قَدر هو ينتظرك معْ قدوم والدتك ) .
وَ جاء موسمُ العطش فيْ الأمطار الموسمية وَ استضاءت المسافات بلون كالبياض البهيّج ثم رمّدته غيوْم الأقدار الممطرة أفاعي سماوية ، وَ مفاجآت مِنْ الوزن الثقيل و التي لمْ تقدرعلى حملها قبة السماء العتيقة فانثالت على الأراضي القفار تتراً ..
فيْ عيدٍ ماضٍ في إيلول أرسل لي سُلطان بطاقة ورقيّة مكتوب تحت طابعها المذهّب
" مباركةٌ أنتِ أيتها الصغيرة وَ ستمطرك السماء عطاءاً بدون أعاصير , وَ لا برق و رعد وَ التقطي الكرز و التفاح وَ لا تُصغي لمن يتفوه بأنه غير مباح " .
تذكرت دانة أنها قبلتِ البطاقة وَقرأتها حين وضوح . ابتسمت لتطفي حرائق المفاجآت وَ كتبتِ بخط مُرتجف يذعر من فقده
" لا تعود أبحث لك عن وجه فتاة لم يخذل بعد ,
وَ ارسم غيوم الربيع على جبينها , لتنبت جنائن و فراديس ،
لن أنتظرك ما دُمت ربطت صلتك بي بصلتي بتلك الجاحدة الـتي تركتني بحضن والدي صغيرة وَ ترسمت في ظل كليوباترا بناظري
لا تنتظر وَ لن أنتظر أيُّها الدكتور المثقف وَ السُلطان
غَداً لَنْ يسرقنا حثيث الصبح كما أعتدنا..
لنْ نخلع كتف الأرض جنحاً ..
لَـن أُهديك قُبلة الصباحْ شغفاً
ولـَنْ ألتقيك بعد إنتهاء العصر...
لَن تبقى رائحة تبغك و عطرك على ثيابي ..!
لـَن اشكو برودة قهوتي و لن أسوق حماسي لك بعد مقالاتي و مشاكساتهم لي ..
لن أعبث معك مجدداً
لا تعود أبحث لك عن وجهِ فتاة لم يُخذل بعد
لك حُبي و إمتناني اللا نهائي "
و ضغطت إرسال و كشفت الذبذبات ساقي الرسالة عبر الأثير لتصل لبريد سلطان ، يبدو أنه موعود بصباحٍ صاخب و متمّرد .
بينما ذلك السُلطان قد تقوقع فيْ سريره كطفلٍ مُنهك ، وَ بينه و بين الأحلام كهنة وَ عرافون و فناجين قهوة لم تهيّل بعد وَ وجه حبيبته " دانه"
أغمضت دانة عينيها وَ لاذت للسرير الملجأ الذي تكره اللجوء له لأنه كما وضحت أحلام مستغانمي مِنْ أهم المعطيات الإيجابية لميلاد " الحنين " لمن لا يستحقه فلا أمها النرجسية تستحق ،
وَ حتى ذلك السلطان ستُلحقه لعنة ضجرها ، ليس لشيءٍ إلا لأنه بدأ يُمارس ديكتاتورية مغلفّة بالديموقراطية المزيّفة الـتي لا تتوظف مهما تذرّع بها الرجل العربي .
سحبت الغطاء وَ دست رأسها بين ملمس القُطن وَ فرو الصوف للهروب من هذا الليل الآثم
و هي تعزّي نفسها بفقدِ سلطان ..
فناجينُ قهوة ألذّها الأكثر مرارة !
بعد يوم جامعي حانق و مزدحم عادت دانة مستاءة من زحمة الرياض وَ وضعت كُتبها على تلك المكتبة المتأنقة بمؤلفات " لوركا الأسباني " وَ " أميل دوركايم " و الآخر " ديستوفسكي "
, فوقها نزعت " الفلور " من رأسها وَ رمته بإهمال على طرف المكتب .
أمسكت بالقرآن الكريم وَ بسطت كف طاهرة عليه و أقسمت يمين مغلظة و قالت في سرها بعدما قررت لقاء والدتها اليوم : سأجتاز الرُبى وَ سأتسلق الريح ، لأدحر الرؤى
أخرجها مِنْ عُتمة أحاديثها الباطنية تصاعد رنين هاتفها النقّال .. ابتسمت بلؤم :
" سلطان و ماذا أيضاً ..؟ "
قطعت تساؤلاتها : أهلاً وَ سهلاً
سُلطان وَ هو منسجم معْ النغمات الـقيصرية التي تشرئب بها أحاسيسه : هلا بكِ ، طالما الترحيب جاء متأنقاً هكذا من المؤكد أن هنالك ثمة أمر ( ابتسم متعجبا و استدركً ) ، و قبل أن أنسى شكراً لأنك أرسلتِ نصاً أثيرياً وَ لكنه أثار ضحكي لا أخفيك
دانة في تَمام ضجرها : ما شاء الله ، اذكر أنك ربطت علاقتك بي بعلاقتي بـ " منى "
سلطان أخرس تلك النغمات : منى أمك من غير المستساغ أن تقولي منى عارياً هكذا
دانة في لؤمٍ مستمر : وفقاً لمزاجي أقول ما أريد ، يا بشر دعوا الخلق للخالق
دعنا مني و حدثني عَن العمل وَ دوامك ؟
يتبع بإذن الله تعالى ||