اسطورة من عالم الخيال
هذا هو انسب عنوان .. لأشهر نجم عرفته الشاشه ..
وعشقته الملايين الجاسوس الذي نتابعه حتى الآن وربما على المدى البعيد أيضا ..جيمس بوند 007 ..وقبل ان نسترسل في الحديث عن الضابط الذي ننتظر جديد افلامه منذ ان صدر اول تلك الافلام في عام 1962 وحتى يومنا هذا ..دعونا نتوجه بمصباح المعرفة والإطلاع على مبتكر تلك الشخصية الفريدة .. أيان لانكستر فلمنج الإنجليزي العريق الذي ولد لأبوين بالغي الثراء عام 1908 م من أبناء الطبقة الارستقراطية الانجليزية ..
وبقرار من والدته الانجليزية قووية الشخصية وبعد وفاة والده ان تضمه للكلية العسكرية البريطانية ولكنه لم يفارق تهوره فعاد مسلسل الفصل يرتد في وجهه ..
وكعادة الشباب في تلك الحقبة عمل أيان في شركة سمسرة تمتلكها اسرته في بورصة الاوراق المالية في لندن .
وفي عام 1939 حقق أيان النجاح وحصل على منصب رفيع في الشركة ولكنه لم يحتمل رتابة العمل المكتبي فقدم استقالته لوالدته واعتزل في ليفربول حتى التقى بصديق قديم للعائله هو الأدميرال ( جون جودفري ) الذي شغل في تلك الفترة منصب مدير المخابرات البحرية البريطانية والذي انبهر بمهارات أيان وحسن تفكيره وفي صبيحة يوم مشرق وهما يلعبان الجولف معا قال الادميرال لفيلمنج : هل ترغب في العمل معي يا أيان ؟؟؟
ابتسم أيان ورد فورا : ومن يمكنه ان يرفض يا ادميرال ؟؟؟
وفي لمحة سريعة صار رجل مخابرات بريطاني
واشتعلت الحرب العالمية الثانية واشتعل معها فلمنج حماسا فلقد عرف جودفيري الاختيار واحسنه حقا فلقد خلق فلمنج لذلك المضمار وخرجت الافكار المجنونه التي تصدم سامعيها في البداية ثم لا تلبث ان تبهر عقولهم وصدح صيت فلمنج وارتفع قدره في المخابرات البريطانية وقاده الحماس للإعداد والتجهيز لعملية أطلق عليها (( العراف )) وتركزت الدراسات في تلك العملية على فهم شخصية رودلف هيس نائب هلتر الذي يبدي اهتماما شديدا بعلوم الافضاء والفلك وعلى ضوء المعلومات التي يغذيه بها فلمنج صار حلم هيس ان يعم السلام في العالم وان يكون هو رجل السلام ولكن خطة فلمنج كانت انجح مما تصور البريطانيون حيث قام هيس بركوب طائرته الخاصة ليهبط في انجلترا ويدعو للسلام وليقوم الانجليز بأسره ويزجوا به في السجن كمجرم حرب حتى مات في عام 1989 م
ولم تتوقف اعمال فلمنج الجنونية حين عرض على المخابرات انشاء الفرقة (30) وهي فرقة من الكومندوز تتبع المخابرات البحرية وفي عام 1944 كانت اشهر واخطر عمليات تلك الفرقة عمليتي ( محطة الرادار ) و ( الارشيف البحري )
ففي ذلك العام قاد أيان فرقته وهبط معها خلف خطوط العدو حيث قامت الوحده بالسيطرة على محطة رادار ألمانية كبيرة ظلت ترصد الطيران البريطاني وتسحق هجومه طوال فترة الحرب فتمت السيطرة عليها واسر حاميتها المكونة من اربعين ضابطا وثلاثمائة جندي ونقلت كل معداتها الى لندن ليعاد تركيبها هناك .واستسلمت المانيا وعاد فلمنج يشعر بالملل بعد ان ذهب عهد الحماس والعمليات الخطيرة وترك فلمنج سلاح المخابرات
وهنا بدأت قصة جيمس بوند 007
وبداية هذه الشخصية الشهيرة كانت عام 1954ومن ملف ضخم تحت اسم سيدني رايلي انطلق فلمنج في بحر جيمس بوند
وسيدني هذا هو أبرز شخصية في عالم المخابرات البريطانية بالفعل...
فهو التصوير الحي المباشر لشخصية جيمس بوند بما له من شجاعة وذكاء ووسامه ...
كانت المخابرات السوفيتيه تطارد رايلي في كل أنحاء الارض فلقد صدر في حقه أكثر من عشرين حكما بالاعدام ومع ذلك كان يدخل الاتحاد السوفيتي ويخرج منه أن يكتشفه أحد ...
كما أن رايلي كان يحمل أحد عشر جواز سفر أصلي لاحد عشر جنسية مختلفة وله مع كل جواز سفر زوجة في ذلك البلد الذي ينتمي له الجواز كما كان يجيد التحدث بستة لغات حية بطلاقه ...
كانت حياة سيدني رايلي الشخصية غامضة حتى للمخابرات البريطانية التي لم تكن تعرف جنسيته الاصلية ومولده .. على الرغم من أنه كان يعمل لحسابها ..
حتى رفاقه لم يكونوا يعرفون عنه شيئا ..
هذا إذا كان له رفاق ..لانه كان كتوما جدا قليل الكلام لا يحب الكلام عن تفاصيل حياته التي بقيت مجهولة عن الجميع ..
حتى موته .. الذي حير الكثير من أجهزة المخابرات في العالم ... رايلي يستحق بجدارة لقب الجاسوس الخفي ... ومن مقولات فلمنج الشهيره حول شخصية بوند " يقول البعض أنني أبالغ كثيرا في رسم شخصية بوند على الرغم من أن كل ما أكتبه لايساوي جزءا من حياة سيدني رايلي الحقيقية " .. وبوند يحمل الرقم 007 الذي كان يحمله إيفار برايس وهو ضابط في المخابرات البحريه مثلما كان فلمنج نفسه ..
وهو وسيم جذاب مثل سيدني رايلي .. ونشيط وسريع الحركة مثل داسك بابان ... بوند كان مزيجا من أقوى رجال المخابرات البريطانية الذين عاصرهم فلمنج أو قرأ عنهم في الملفات السريه لجهاز M I 6
في مطلع عام 1954 أصدر فلمنج روايته الأولى " كازينو رويا ل " التي لم تحصد نجاحا يذكر ...
ولكن هذا لم يثبط عزيمة فلمنج الذي أصدر روايته الثانية في نفس العام وكانت بعنوان " ماسات للأبد " وحدث معها نفس ما حدث لسابقتها ...
وفي العام التالي 1955 أصدر فلمنج روايته الثالثة بعنوان " دكتور نو " ..
وهنا انفجرت الرواية كالقنبلة في أوساط كل طبقات بريطانيا التي لم تعتاد مثل هذا الأدب البوليسي ... وصار بوند صرعة ذاك العام مع رجوع الناس للروايات السابقة التي لم تلاقي نجاحا بادئ الأمر .. مما دفع فلمنج لإصدار المزيد من الروايات ... وكان من الطبيعي والحال هكذا أن تلتفت السينما لبوند ...
قام المنتج ألبرت بروكلي بعقد صفقة مع فلمنج لتحويل الرواية التي شهرت بوند " دكتور نو " إلى فيلم سينمائي ... وتم اختيار الممثل المغمور في ذلك الوقت " شون كونري " لأداء الدور ... وفي صيف عام 1962 كانت الجماهير موعودة بجيمس بوند من لحم ودم يقاتل ويحارب كما تخيلوه دوما ....
وكان نجاح الفيلم مذهلا حقا .. بل ساحقا ...
ولم يحتمل بروكلي فأصدر في عام 1963 الفيلم الثاني لبوند من بطولة كونري أيضا وكان بعنوان " من روسيا مع حبي " الذي كان أفضل من الأول من حيث القصة والأحداث والتقنية ...
وفي العام الذي تلاه 1964 أصدر الفيلم الثالث لبوند بعنوان " الإصبع الذهبي " ولكن مع نهاية ذلك العام وأثناء الإعداد للفيلم الرابع " كرة الرعد " رحل فلمنج عن عالمنا بذبحة قلبية ألمت به في عز نشوته بالشهرة والمجد الذي أعطاهما إياه بوند الذي لم يتوقف بوفاة مؤلفه العظيم بل أستمر حتى عام 1968 في فيلم " أنت تعيش فقط مرتين " عندما قرر كونري اعتزال الدور والبحث في أمريكا عن الفرص الذهبية ..
احتار بروكلي فيمن سيسند له الدور بعد النجاحات العظيمة لبوند مع كونري ...وهنا قرر شريكه هاري سوزلند أن يسند الدور لممثل إنجليزي شبه معروف في تلك الأيام هو جورج ليزبي الذي كان يشبه في بعض ملامحه كونري ...
وبالفعل ففي عام 1969 صدر الفيلم السادس لبوند بعنوان " من أجل الخدمة السرية لجلالة الملكة " وإنصعق الناس فليزبي لم يفلح في أداء دور بوند كما فعل كونري ..وكان رأي الجماهير أنه أسوأ من قدم الدور حتى الآن ...
عند ذلك كثف بروكلي جهوده مع كونري ليقنعه بالعودة لبوند في ديسمبر عام 1971 في الفيلم السابع في سلسلة بوند والذي كان بعنوان " ماسات للأبد " ومع عودة كونري عادت النجاحات ... إلا أنه قرر الاعتزال ثانية .... لتعود مشكلة البديل أمام بروكلي ثانية و الذي قرر أن يبحث عن البديل بنفسه فبحث وسط ممثلي التلفزيون ليجد ضالته في الممثل الإنجليزي بطل حلقات مسلسل القديس " روجر مور " ..
وفي مطلع يونيو عام 1973 صدر فيلم " عش ودعهم يموتون " الثامن في السلسلة ليحصد نجاحات مذهلة لم يتوقعها النقاد ....
وطبعا لم يفوت بروكلي الفرصة أبداً ليصدر في ديسمبر عام 1974 فيلم " الرجل ذو المسدس الذهبي " لمور ...
كان مور ذا برود خاص وجاذبية رهيبة أدائه لشخصية بوند مما ساعده على إقناع الجماهير وتوالت نجاحات مور مع بوند في سبعة أفلام من أروع أفلام بوند على الإطلاق وهي على التوالي " الجاسوس الذي يحبني " عام 1977 و " سارق القمر " في عام 1979 " ومن أجل عينيك فقط " عام 1981 وفيلم " الإخطبوط " عام 1983
مع ملاحظة أن بعض المنتجين قد أقنعوا كونري بالعودة لبوند في نفس هذا العام 1983 في فيلم " لا تقل أبدا مرة أخرى " الذي بدا فيه كونري عجوزا ثقيلا مما كاد أن يهدم تاريخه كله بسبب هذه الخطوة غير محسوبة العواقب ...
ولكن المشكلة أن روجر مور قرر في عام 1985 وبعد فيلم " مشهد للقتل " أن يعتزل الدور قائلا : " لقد تقدمت في السن وحان الوقت أن أترك المجال لشباب السينما بعد أن أديت دوري على أكمل وجه "
مما دفع بروكلي لإعادة البحث مجددا عن البديل
وفي أواخر عام سنة 1986 عثر بروكلي على ضالته في شاب أيرلندي يدعى " بيرس بروسنان " عرض عليه الدور فقبل به دون إبطاء وتم الإعداد لفيلم بوند مع بيرس ولكن المنتجين الذين كان يعمل معهم الشاب في سلسلة (رومنتن ستيل) التلفزيونية رفضوا أن يتركهم بروسنان وألزموه بالعقد الذي بينهم مما جعل الدور يذهب لممثل إنجليزي آخر يدعى " تيموثي دالتون " الذي قدم في عام 1987 فيلم " ضوء النهار الساطع " الذي كان ممتازا جدا وفي العام 1989 قدم نفس الممثل " دالتون " فيلمه الثاني والأخير " تصريح بالقتل " والذي قرر بعده أن يعتزل الدور لأنه قد بذل جهدا مضاعفا في هذين الفلمين مما لا يتناسب مع مواهبه في الادوار الأقل رتما وعاد بوند منزوياً هذه المرة في الظلام أربعة أعوام كاملة من عام 1989 وحتى عام 1994
ففي ذلك العام تمكن بروكلي من إقناع بروسنان بالقيام بدور جيمس بوند في نوفمبر من العام 1995 في الفيلم الثامن عشر من سلسلة بوند بعنوان " العين الذهبية " وكانت العودة الذهبية للعميل السري 007 حقا
فهذا الفيلم حقق من الإيرادات ما فاق أفلام بوند السابقة مجتمعةً كما أكد نقاد هوليود
وطار الناس ببروسنان البطل الجديد لجيمس بوند والذي قال عنه بروكلي :" أخيرا وجدت ما حلمت به أنا وفلمنج منذ أن بدأنا مع هذه الشخصية "
وفي نهاية العام 1996 قرر قلب بروكلي " عراب " بوند التوقف عن الخفقان ليرحل الرجل الذي نقل بوند من الورق إلى شاشة السينما
وبرحيل بروكلي لم يتوقف بوند أيضا فلقد قررت بار برا بروكلي ابنةالمنتج الراحل لتنتج في عام 1997 فيلم " غدا لا يموت أبدا " من بطولة بروسنان
وبقي النجاح نصيب بوند حتى سبتمبر عام 1999 عندما صدر فيلم " العالم لا يكفي " لبوند الذي لاقى نجاحا مقبولاً نوعا ما لأنه لم يحمل قصة جديدة كالذي سبقه
يليه في عام 2002 فيلم بعنوان " متٌ في يوم آخر " حينما قررت ابنة المنتج الراحل باربرا بروكلي الاستغناء عن خدمات بيرس بروسنان وإستبداله بالممثل الانجليزي ( دانيال كريج ) الذي لم يتقبله الجمهور نظرا لعدم جاذبيته إلا ان ابنة المنتج الراحل اصرت لتقدمه في القصه الاصلية للكاتب فليمنج ( كازينو رويال ) التي تعتبر اولى روايات بوند في نوفمبر عام 2006 م ليهز الفيلم كل التوقعات بعد ان قدم كريج بوند بطريقه مختلفه وفيها الكثير من الطيش والتهور نظرا لأنها اولى مهماته حسب الروايه الاصليه بعد ترقيته الى العميل 007 في مكتب المخابرات البريطانيه مما شجع باربرا على الإعداد لفيلم الثاني لكريج مع بوند والذي ستنطلق عروضه السينمائية في نوفمبر من العام الجاري 2008م والذي تقرر ان يكون عنوانه ( الكل قادم للعزاء )
وبوند لن يتوقف مهما تغير الممثلون أو المخرجين وحتى الكتاب ...
لأن بوند صار أسطورة ... والأساطير لا تموت أبدا ...
بل تبقى في قلوبنا مهما دارت بنا الأيام ....
عبيد خلف العنزي
تمت الإضافة في تاريخ 22/5/2006م