أعجب من الناس عند التفافهم على صاحب مال ، وتوجههم له وكأنه قِبلة إذا تحدث ، والتزام الأدب في حضرته ، ولو لم ينلهم من ماله شيئا .
بينما هم أنفسهم لم يكونوا ليلقوا له بالا قبل أن يغدق الله عليه بالمال والثروة ، بل كان إذا تكلم عطفوا عليه إذا نظروا له ، وقاطعوه ، وتلامزوا وتغامزوا عليه إذا بالغ في أحاديثه ، بينما كذبه الآن ومبالغته تنعطف إليه الأعناق ، ويقسمون بالله على صحة قوله ولو كان مبالغا ، أو متأكدين من كذبه .
عجبي الكبير : كيف لإنسان أن يكون المال هو مغير نظرته للناس ، ويتغير لحن قوله وعجبه وانتفاخ أوداجهوهو يتحدث ، وكيف يكون المال مغيرا لنظرة الناس لصاحبه إذا كانوا يعرفون خلقه الفاحش ، وأخلاقه الشاذة ، وشبهة الجلوس معه ، والتي تحولت بقدرة قادر إلى شرف رفيع ، وحظوة يتسابق إليها ( عباد المال ) ولو لم ينلهم منه شيئا ، فلربما منّوا أنفسهم بعطاء كريم منه ، فهم (يبرحون القرص) لأنفسهم ، فالمال عند البعض أصبح ميزان الرجال ، ومعدنه ، وأصله ، وخلقه ، فأي شرف بعد ذلك يدعون ، وعن أي تهمة في الآخرين ينتقدون .
الشرف وعزة النفس دون كبر ، واحترام المبادئ ، صحيح أنها كما يقال ضد التيار ، وأنك إن لم تكن مثلهم فأنت تمشي باتجاه مخالف لسنن الكون ، ولكن العزوف عن تلك الصفات المنتنة مابقي من خير ورجولة حقيقة لمن أراد ذلك ، وإن كانت كل الحياة ، وكل الناس يقولون عكس ذلك تماما .