.
.
.
- كل المدن وجه أمي -
مدخل:
" كن في الدنيا كأنك غريب أو كعابر سبيل"
عتبة باب مكسورة:
همس له الحزن يوماً
أشعل سيجارتك وتوّكل
ليس هناك وقت للتفكير
في ضررٍ قد يسببه التبغ
لجسدٍ مصبوغٍ مسبقاً
من الداخل بقطران حزنٍ أسود..!
/
"آلام عمر مختصرة في كم سطر"
حزنٌ يلفّ ألف مدينة بداخلي
وهذه المدينة يلفها سكون قاتل
كانوا في الصباح مرحين
يبادلون التحية لكل عابر
"Merry Christmas"
قالتها لي إحداهن ولم يسعفني
الوقت لأستعيد الفتاوي المستقرة
بذاكرتي عن حكم ذلك
كل ما أذكره أني مضيت
شارداً دون وعي
لتتبسم بخبث معتقدةً
أني بدأت السهرة مبكراً
ليس من عادتي أن أسهر أو أسكر
وكيف لي ذلك وأنا كل ليلة أتقهقر
على بلاط حزنٍ قديم كقدم التاريخ
متغلغل كشجرة عمرها بعمر الأرض
وما صوت الموشحات التي تتسلل
عبر جدار غرفتي الملاصق لجارةٍ شقية
سوى نحيب شرقي كتب عليه الخضوع
وبداخله ألف نداء يتردد:
متى تمسح من الوجود لغة الكُره والفقد
لأنعم بطيب عيشٍ قبل حياة البرزخ
عسعس الليل وليس بأول ليلٍ
يزورني وعمّ الصمت الأحياء
هناك عابرون لكل شيء
يبحثون عن رقائق السعادة
بين طبقات الصحون المتراكمة
ويستنشقون رائحة النبيذ
مع تصاعد الفقاعات
أيتها الكوابيس المستوطنة في منامي
كإحتلالٍ بغيض لأرض عربيةٍ
أوهموني أنها وطني
ماذا أفعل والموت يطوقني من كل ناحية
والأحلام تباع ولا تشترى
لا حيلة لي وأحلامي باعوها
بثمن بخسٍ يوم زلت قدمي مكرهة
وباطنها مطمئن بالشرف
في فخ المقايضة المحرمة
إما أن أدفع لأتنفس وأعبر مرحلة الخطر
أو أمسك حلمي وأبقى في وحل
تغوص فيه الأقدام ولا تصعد
وذاك المصعد معطل بفعل فاعل
عرفت ذلك من سيدة تتوكأ على عصاها
تصعد عتبات درج صلبة
لم تلن لقلبٍ ينفطر له الحجر
أيها المسافرون إلى جحيم السعادة
لم تولد السعادة يوماً في علب الجواهر
ولا فستان يظهر أكثر مما يستر
لم تولد السعادة لأحد ولم يولد أحد بسعادة
وحتى ملعقة الذهب تلك
سمعت عنها كثيراً ولم أراها
بحياتي في فم كائنٍ حي
حتى تلك الغرف المأهولة
بصراخ ثنائي مجهول
يتغامز العاملون بالفندق
عن نشوة من بداخلها
وأنا ألعن حظاً جعلني
أسكن الفنادق الوضيعة طهراً
توصف بالـ خمس نجوم!
وهي خمس سقطات في وحل الرذيلة
وكل سقطة بآه وكل آهٍ
بقصة مبتورة النهاية
لن تقرأها إلا على سرير أسود
ذات يومٍ مضى لكن سيعود
يطول الصمت بإنتظار
القطار القادم
وحتى الطائرات لا تأتي
في موعدها غالباً
وهذا الضباب كفيل بالتسبب بارتباك حاد
لمواعيد بشرية مغلفة بالدقة
رغم أنهم بعد انتهاء الموعد المحدد
يقومون بأشياء قبيحة أخرى..!
"Please report any unattended baggage"
"الرجاء التبليغ عن أي حقائب متروكة"
كم أكره هذه العبارة في صالات الانتظار
طالما اعتبرت نفسي شيئاً
مجرد شيء في هذا الكون الكبير
وهم يصرون على أني "لاشيء"
لم يبلغ عني أحد وأنا متروكٌ وحيداً
لا يشعر بي ولا يقف بجانبي أحد
لم يخشوا أن ****ني أحد
أن يختطف قلبي أو ربما يدي
أو حتى كليتي..!
ربما تلك الحقائب والأشياء أهم مني
أو أني أنتمي لفصيلة أخرى
مهملة مع سبق "التكاثر والتمدن"
وظهور أجيال جديدة لا تنتمي
للجيل السابق إلا بتشابه الشكل
لا أحد يعرف قيمة نفسه أكثر من نفسه
وحتى من نعاشر
لا يعرفون قيمتنا إلا بعد أن نفارقهم
فتضيع قيمتنا بفراقهم
ويبقى السر ممزقاً في فراغات الغياب
وتمر أيام العمر ونحن مجهولي القيمة
لكل شيء قيمة يحملها
تقرأها قبل أن تختاره أو تشتريه
إلا بني البشر
قيمهم مجهولة إمعاناً في الشقاء
لتقضي عمرك تفتش بين ملايين الأصناف
فإما يمضي العمر وقد حصلت
على قطعة أو قطعتين ذواتا قيمة
أو ربما ينتهي بك المطاف بقطعة
تكتشف قبل مغادرة محل الحياة
بأنها رخيصة مزيفة
تباً للسذاجة
لم أعتقد يوماً أني بهذه السذاجة
ولم يصارحني أحد بذلك
كل من حولي هدموني بالمديح
ولم يبنوني بالنقد
رحموا قلبي من مشرط التجريح
وجعلوني أسير بلا هدى
لأكتشف بعد نهاية الرحلة
بأني مسافر بجواز سفر منتهي
سيعود في أقرب محطة لنقطة البداية
تلك ضلالة لا ذنب لي بها
يا دنيا الشقاء
منذ مراهقتي وأنا أدعو الله
أن أكون كـ "أبي ذر"
يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده
وأنا لا أدري مالذي جذبني لذلك أكثر
سيرته رضي الله عنه أم سيرة الوحدة
رغم خوفي أن يحقق لي ربي واحدة
ويحرمني من البقية
ودائماً ما يساورني خوف بالموت وحيداً
فأعود باكياً لحضن أمي
أسألها أن تدعو لي الله بطريقتها
أمي يا من أرهقتها
بمواعيدي الملغاة والمتأخرة دوماً
في كل شيء
في استيقاظي في ذهابي للمدرسة
في أخذها لمحلها المفضل
وحتى يوم ميلادي
أرهقتها تأخراً في الخروج
حتى أوشك مبضع الجراح أن يلامس
جسدها الطاهر
لكن حين كبرت وعلمتني الحياة
مهارات التملق والكذب
أوهمتها بأني لم أكن أرغب بمفارقة
جسدها الحنون لأقصى حد ممكن
رغم أني لا أعرف ولا أذكر ساعتها
ما حدث وكيف ولدت
وما هو أول وجه رأته عيناي
ربما ممرضة
وربما جدران السقف
وربما أثار دماء طفلٍ آخر تبلل الأرض
لم يسعف الوقت عمال النظافة لمسحها
في مستشفى تتكاثر على أبوابه
رحلات القادمين لحياة مجهولة
أمي..
ياكل الحاضر والماضي
يا أصدق أحلام العمر
ليتني بقيت في جسدك
حتى هذه اللحظة
لما لم تطيقي إحتمالي
سوى 9 أشهر وبضعة أيام
ألهذه الدرجة كنت ثقيلاً عليك
فبربك إذن كيف ستتحملني الحياة
ومن يعيش في الحياة
وبطن الأم استثقلني
بربك من سيشعر بنا
ويحس بآهاتنا وصراخنا الداخلي
وليس بيننا وبينهم "حبلٌ سري"
ولا حتى خلايا دم تنقل لهم المشاعر
بصدق ودون مؤثرات خارجية
تزيف الحقائق وتقلب الـ آهٍ آه لـ هاها
بربك كيف الحياة
بدنيا تعشق فيها الآذان سماع الكذب
وتتنزه بها الألسن عن الصدق
وتعف العيون عن كل ظاهر
وتنهش ستر الأشياء فضولاً وحسداً
بربك كيف الحياة
وأنا أرى من حولي أجساداً قلوبها
على هيئة بطون
ووجوهاً شفاهها كمقابض الفخ الأول
الذي سلبني أول حلم لي
ماتت الأحلام يا أمي
ودفنوها هناك
حيث ترقد حكاياتك لي قبل أن أكبر
حيث ينام غضب أبي كلما تجاوزت
حداً من حدود أخلاقه المنتقاه
هناك حيث فرقت الدنيا
بين الأخ وأخيه والأخت وأختها
وأصبحنا هيامى نتسول لحظات اللقاء
ونبيع لحظات الفرح
بتذاكر سفر بلا رجوع
ماتت أحلامي
في كل صيفٍ
في كل شتاءٍ
وفي كل عيدٍ يأتي
ورائحة المدينة
تفتقد حميمية حياتنا الأولى
أعيادنا الأولى
طرقات الباب الأولى
قبلات أختي الكبيرة
وهدايا عمتي
وعبرات جدي
لرؤية أحفاده قبل أن يموت
ماتت أحلامي
يوم صحوت يوماً
من كابوس فراق فظيع
ووجدت في يدي قطعة
محسوسة منه
لم تختفي معه
استعذت منه مراراً
نفثت عن شمالي
ولم أخبر به أحداً
لكنها لا زالت عالقة
في ذهني يا أمي
لازالت عالقة
تزول خيالات المجانين ولا تزول..!
لا تزول..!
/
نهاية مفقودة:
{وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ}
روشتة منتهية الصلاحية:
كثرة التفكير تقود للحزن
والحزن قد يقود للإكتئاب
والإكتئاب يقود لعيادة نفسية
مغمورة يشبع فيها طبيب ممل
شبقه لسماع قصص ومآسي
قاسية قبل أن يعود لبيته
يتناول غداءه بنهم
وينام في أحضان زوجته
دون أن تترك فيه تلك
القصص أي أثر يذكر..
من يشعر إذن..من يهتم..؟
بمرارة.. لا أحد..!
خاتمة لا بد منها:
لا تبكي ولا تتنهد لا تلعن الحظ يوماً
ولا تشكي لأحد فالكل في حزنٍ يسبحون
في همهم مشغولون
فقط واصل الرحلة بأقل قدرٍ ممكن
من الخسائر/الأحزان
دون إفساد ما تبقى من حياتك/حياتهم..!
* الصورة لـ ساحة السانت مارك- البندقية- إيطاليا
St. Mark's Square, Venice, Italy
بقلم
صبيحة 26 ديسمبر 2006