وبعد مضي عام عاد علي لقضاء اجازة نهاية العام الدراسي مع أسرته وأهل قريته
يالسعادة والديه --والقرية-- وخضراء
الشمس ذهبية الشعاع تدغدغ الأحاسيس ، تعيدها بعد طول ارتحال
تبرزها أدمعا ولهفة وارتجافة ،ورعشة هي كالطيران، كالسباحة ، كالركض هي لا كشيء، هي لايمكن وصفها ،
من قال أن الطرق لا يقتاتها الحنين ؟ فلم اشتعال الشوق في ترابها
من قال أن السنابل لاتهفو الى نبض حنون , فلم احتبالها ؟
فلم ارتحال دلو الماء, ولم ارتجافات الساقيات فوق جيد الماء
ياللسماء ، حينما تشاء -- الهطول ؟
ياللسماء
الزغاريد تعلو، والخراف تذبح ،والأعيرة النارية تتعانق في الهواء
لقد عاد علي
حتى العجائز خرجن يوزعن الريالات على الأطفال-- والغرباء
والعجوز العمياء (عطرة ) نذرت ليلة تقوم فيها صلاة لله
وفقدت والدة علي وعيها سعادة لعودة علي
وهرع الصغير والكبير
القريب والبعيد
وخضراء هناك ، تتلهف لرؤيته
هرع الأعرج (الغريب )إلى على حيث وعده بحذاء يّقوم ساقه
وغفا المجنون (صالح ) على كفه فطالت غفوته
فكيف سكن حبه في قلوب الناس أجمعين ؟
وخلد علي إلى النوم باكرا بعد أن تناول مع أهل قريته العشاء
أطل الصباح مبتهجا ، ورائحة خبز أم علي وقهوتها الصباحية
والبخور
تناول أفطاره الذي اشتاق إليه كثيرا وخرج ، تنفس الهواء النقي
ومضى يلثم الطرقات ، الآبار والبرك والفراشات الملونة
دون وعي يسير ، وأعود إليك ياقريتي لأعود إليك
وصفقت أسراب العصافير أجنحتها وطارت في الهواء ؟
والتفت صوب الصوت وأسراب العصافير
ترى لم جفلت ؟
كانت هناك ، فتاة تنبض ، تعج ، بالهوى والغوى ، سقط ضؤها على أسراب الطيور فهربت كي لا تقع في أسرها
فتلقى الأسر برحابة صدر
من أنت ياعلي ؟
وأين كنت ؟
ومالذي اعتراك ؟
وكرر السؤال
من أنت ؟
وأين كنت ؟
أين كنت ؟
فملّه السؤال
شعر بضيق
وباختناق الطريق
وقفل راجعا للبيت
رعشة
وقشعريرة
وعينان زائغتان
وقلب تائه
وتأتأه
وفراغ
تدثر من شدة البرد -- ومامن برد
فهرعت أمه إليه
ماذا اعترى ولدي ؟
العين ، العين سأجمع غسول أقدام الرجال من أمام المسجد
وأقدام النساء من أمام عتبات بيوتهن
ولدي، وعلي في عالم آخر يسأل نفسه أأ نسية هي ؟ أم جنية ؟
ومضت والدته تعد الثريد لكنه أبى أن يأكل فبكت : ولدي به جِنة
فتبسم قائلا أماه لاشيء بي ؟
كانت رائحة طعام شهي تفوح ، شقيقة خضراء الصغيرة تحضر غداء شهيا أعدته خضراء احتفاء بقدوم الضيف
والتفت إلى أمه :ومن هي خضراء يا أمي ؟
فارتفع صوت أمه باكيه :ولدي به جِنه ،ألا تعرف من هي خضراء ؟
رفيقة العمر ، رفيقة الطفولة ياعلي
ارتد عقله إليه قائلا : كنت أمزح يا أمي
قالت والدته :إنها خضراء ومن يصنع ماتصنع خضراء !
ومن تبر بي كما برت خضراء !
يومان تقلب علي في فراشه كسلا وحيرة
المكان يضيق حد الاختناق ،لاطعم لشيء ولم يعد يقرأ كما كان سابقا
نصحته أمه بأن يذهب الى المزارع لعل الهواء النقي ينعشه
وتتحسن حالته النفسية ،فاستحسن قولها ومضى
كانت هناك خضراء على غير موعد الا دليلها -قلبها ولهفتها
علي ؟ أأنت هنا ؟
خضراء ؟ كيف حالك ولم أنت هنا ؟
مازالت لدي مهام سأنجزها
خضراء أريدك في أمر ما ؟
وخفق قلبها بشده وارتجفت حتى كادت تسقط
هل بك شيء؟
لا لاشيء ،وتصاعدت الاسئلة وقلق الاسئلة
ترى في ما يريدني ؟
فـــــــــ يتبع ا طمة