هل تبكي الطبيعة أيها القمر ،،
فتكون أنت في ديباج السماء كأنك دمعة في منديلها ،،
لم تجف بعد وقد بدأ في الأشياء الجفاف !! ،،
إني أرى الذين لا يعرفون جمالها ولا يفقهون حديثها ،،
يتخيلونها أبدا غائبة بعد رحيلها ،،
آها أيتها الحقيقة ،،
أين أنت من الإنسان وأين هو منك ؟! ،،
* * *
ما بال هذه الأوهام التي يعتزم لها العقل المضي في فضائها كأنه منطلق إلى مغنم ،،
ثم لا يكون أمره وأمرها إلا كالفريسة ،،
فجأة تجد أنها محاطة من كل جهة بالأظافر الحادة ،،
# # #
أيتها الحقيقة لا يظفر بك إلا سعداء الفطرة !! ،،
# # #
وما الحياة كلها إلا إيمان بك ودليل عليك ،،
فلو خلص الإنسان من وهمه لخلص من همه ،،
ولعرف كيف يقدر الحزن لسببه الحقيقي لا لسراب الآمال التي زالت بوقوعه ،،
فإن تقدير المصيبة بالأمل الذي كان يرجى لو لم تقع أمر لا يحتمل حدا ،،
بل لا يزال يقود من ظن إلى ظن حتى يهيج السخط في نفس الحزين ،،
والسخط مع المصيبة مصيبة أخرى ،،
فلولا الآلام لأقفرت الأرض !! ،،
* * * *
ويحي ،، كيف ترامت بي شجون الحديث أيها القمر الضاحك الطروب ،،
حتى جعلت غبار الأرض بيني وبينك !! ،،
هذه النظرات أعلمها ،،
وأعلم أنها ألقيت علي هما ً مجسما ،،
ونقشت العين في قلبي ،،
فما هو إلا صفحة ،،
وما هي إلا أبيات قصيدة ترجمها الجمال بلسان الحب ،،
وليت شعري أين أنا من مبلغ ذلك ،،
وهل في الوجود من يستطيع أن يضع منطقا ً للغة القلب ،،
فيترجم به قصيدة الآلام التي تسيل رقة لأن كلماتها كلها عيون ،،
تنسكب فيها كل قوى النفس المختلفة ،،
كما تتدفق الجراح على نمط واحد بدم واحد ويكون ألم الحب أبلغ معنى فيها ،،
وتكون أنت أيها القمر بضيائك وجمالك ،،
وآمال العشاق فيك ،،
وابتسامات الحسان لك ،،
فلسفة الخيال لهذا المعنى اليتيم ،،
* * *
أيها القمر ،،
ما من رجل حكيم يحلم أو يفكر إلا وهو يقرأ تاريخ أحلامه في سطور أشعتك ،،
ويرى هذه الأشعة نفسها كأنها معاني ذلك المستقبل ،،
تهبط كل ليلة على النفس لتعتاد الإقامة فيها ،،
ثم لا تلبث أن ترى الناس قد هبوا من مضاجعهم ،،
فتفر إلى السماء مذعورة وتتوارى مع الأحلام ،،
كأن الناس تشابهوا عليها وهم نيام ،،
فلما رأتهم منبعثين رأت أكثرهم ليسوا من الناس !! ،،
* * *
وكم ناجاك أيها القمر من عاشق قبلي ،،
فإنك ما انفصلت عن الأرض إلا لتكون أفقا ً للآمال ،،
ها أنا بدموعي وأحزاني وهواجسي وآمالي ،،
أطرحها في هذه اللجة التي ترسلها من شعاعك ،،
أنغمس فيها حتى أرى جسم من نور يخفق في جنبه قلب كالنجم ،،
تاركا ً في مكاني بقايا من ظلمات النفس وظلالا ً من الماضي الأليم ،،
أجمع الخواطر وأدرجها في قطعة من غسق الفجر تشابه الدم النازف من الحياة ،،
والوردة الحسناء ترسل علي نظرة من نظراتها ،،
وربما تقول شيئا ً من نبراتها الناعسة ،،
لتعرف النفس أي ثمن يشتري به الوجود ابتسامة كابتسامتها !! ،،
وإلا ذاب كل شئ كالندى في الصباح ،،
وتاه مع شذرات التأمل بحسرة ،،
ودفن في ظلام مقبرة الأبدية في غيب المجهول ،،
* * *
رحمة لهذا الجمال !! ،،
وجه وضئ الطلعة كأنه السعادة مقبلة ،،
يصل إليه دم الشباب من القلب فيتحول فيه إلى سحر وفتنة ،،
كما تجول قطرات الماء في غصن الياسمين ،،
وابتسامة تجعل معاني الحسن تتحير على شفتيه بصفاء أثيري يطل على النفس من وراء الشفق ،، وحاجبان كأنهما تمثيل للانحناء الخطي في الهندسة السماوية التي وضع الجمال على قواعدها ،، يمتدان فما أدري ما أمثلهما به غير أني لا أظن الفتنة القلبية تمتد مجتمعة إلا بمثل هذا اللطف ،، وينتهيان إلى طرفين دقيقين لا تغمز بهما إلا ثقبا القلب من جانبيه ،،
وعينان ناعستان تنظران وربي بروح يضطرب معهما جلال السماء إذ يلوح في سحرهما ،، تغضيان تفترا ً ودلالا ً فكأنما تلقيان على الروح فترة يحلم فيها من الإلهام ويستيقظ ،، لكأن الجمال تحير في تلك النظرة الناعسة فوقف يتلفت يمين وشمال عن مكان يوصف به ،، حتى طاب له أخيرا ً الإقامة فيهما ،،
حبيبتي ،، حقيقة خالدة تطل على النفس فتنبض بها الحياة ،،
* * *
ها أنت اليوم يا زينة الآمال ،،
كالنافذة بين الماضي الذي كان قصرا ،،
وبين المستقبل الذي هو من أنقاض هذا القصر ،،
فما من منظر إلا تهدم الحياة وثورة غبارها ،،
# # #
بلى قد يكون شقائي مثالا ً لتبيان حقيقة غامضة يراني الناس في حزني فيفهمونها ،،
وما أكثر الأمثال التي تضرب في حقائق الحياة عن القلوب والأكباد !! ،،
# # #
أيها القمر ،،
أخبر المتشرد عن النسيان ،،
فها هو يأبى إلا أن يطرح ظل الأشياء أمامه ،،
وتأبى الشمس إلا أن تجعله إلى الوراء ،،
فلا يكون له إلا إحدى اثنتين ،،
إما أن يستدبر الشمس ويجري على قواعد النور في الحقيقة لا في الوهم ،،
فيرى الشمس نفسها قد ألقت الظل أمامه كما يريد ،،
وإما أن يمضي كشعلة ما تخيل فيكون أمام ظله ولأنفه بعد ذلك على الرغام !! ،،
# # #
ألا ما أغلى الحقائق في هذه الدنيا إذا كان من ثمنها مثل هذا الجمال الغض ،،
الذي يرخص في شرائه القلب حين ترخص في شراء القلب الحياة !! ،،
# # #
أيا توأم الروح والرحم كم أشتاق إليك ،،
الحقيقة الخالصة كالصديق الخالص المخلص ،،
يجد الإنسان من الأشياء ما يبذله ثمنا ً للدنيا فيحوزه ،،
ولا يجد ثمن الصديق إلا أن يبذل له ذات نفسه ،،
* * *
وقد تكفي نظرة من عينيك وابتسامة من ثغرك ،،
ليؤلف الشاعر من وصف تأثيرهما في نفسه ،،
كتابا ً خالدا ً في فلسفة الصداقة وجمالها ،،
ولذتها في النفس وحلاوة آمالها ،،
* * *
آه يا قمري الحبيب ،،
إن الحب لا يخلق إلا الحب ولكن جمالها بعد وفاتها خالق للآلام ،،
فصب أيها القمر ظلام الليل كله في قلبي واجعلني عدو لئيم للدنيا ،،
تسود الوجوه في عيني وتجعل قلبي من يأسه كأس مملوء بالدم الثقيل الفاسد الذي ركد وخبث بعد أن سال من جروح الماضي ،،
أينما نظرت تجسد موت يعقبه موت ،،
لك الله أيها الشريد في هذا العالم ،،
فلا تلم أحدا في أحداث الحياة إلا كما يلم ضيف البيداء ،،
إذ يتغطى بوشاح النهار نائما ً فمتى أظلمت الفجاج انطلق عليه سواد ،،
# # #
من الذي يستطيع أن يتوقى مفاجأة الموت ؟! ،،
بل كيف يستطيع ؟! ،،
وأي قوة في الأرض تقنع العقل وإن ذاب في الجنون ؟! ،،
# # #
أيها القمر ،،
أنجد حزنا ً ثابتا ً ولا نجد سعادة كالأحزان على الأقل !! ،،
فاضحك الآن من سعادة الناس وها أنا أنظر إليك ،،
فإن لم تكن قصيدة فمعنى يجعل الفكر باسما ،،
وإلا فلا أقل من أن تحرك في ذاكرتي ذلك الهواء العطر في بعض أركانها ،،
فيندفع إلى القلب ذلك الرنين الذي بات صدى لهمسات ولفتات قبل أن تحق النوى وينصدع الشمل ،،
فلم يبقى من هذا الفراق الذائب في العدم غير أنغام لألحان حزينة ،،
هذه هي الحقيقة ،،
أربع سنون مضت ،، ولكن تراءت لعيني العينان والقوام ،،
وانحرف الخيال بغتة إلى الماضي بلا داع ،،
فاتخذ مكانه في شريط من الصور المتلاحقة ،،
أجل يا حبيبتي ،،
أنت خلود الجمال ،، بل جمال الخلود
* * *
أعلم بأن سر ألمي ليس بعقبة ،،
ولكني ضخمته بالتفكير فيه ،،
نصبت من عقلي حرب أعصاب هائلة ضد كل شئ ،،
لم أروض نفسي على الحياة في الواقع ،،
ولم أوطنها على احتماله ،،
فلم أدر ما فلسفة الرضا أو الاستهانة ،،
* * *
تناهت بي الحيرة حتى شملتني حال من الحزن والكآبة ،،
وطال الزمن واستطال حتى خيل إلي أني شخت وهرمت وأني أموت ،،
بيد أن أحاسيس الليل قل أن تعيش في ضوء النهار ،،
إنها في الليل تندمج في تيار لحن غامض ينطلق في جو أثيري يكتنفه الضباب ،،
فإذا طلع عليه النهار لم يبق منه إلا أصداء خفيفة لا تمنعنا من أن نلتمس سبيلها في الحياة
* * *
وأخيرا ً أيها القمر ،،
تعلم أن الحقائق ستظل على حالها خلدها الزمان أم عبث بها مكان ،،،
وإن كنت جلست على رأس الكرة الأرضية ،،
وقد دليت سعيدا ً قدميك المتسلختين من الدوران لتكتب شعرا ً ،،
فهنالك من يتمنى أن يأخذ رأسك كرسيا ً ،،
ويدلي قدميه الحرشفتين على صدرك كي يكتم حتى ولولة شعرك