تكورت داخل بطن أمي، لاصقت ما بين قدمي وبطني، التحم رأسي بركبتي. ضاعت يدي وسط أحشائي. رغم الغشاء الذي يحيطني هممت بالخروج، كلى فضول وشوق، لم أتنفس بعد، مرتبطة بتنفس أمي، تأتيني الحياة من خلال السرة التى تربطني بها, رئتاها ترتجفان, أرتجف أنا أيضا, تتنفس، أتنفس بدوري، تضحك فأشعر برعشة تدغدغني، تأكل أو تشرب فاشعر بنشوة، فأندفع في هزة إلى الأمام وهزة إلى الوراء، أحيانا أصعد وأحيانا أهبط، لكنى غالبا ما أكون شبه نائمة أو في غيبوبة جميلة, دقات قلبها منتظمة وحزينة غالباً كأني أجلس تحت ساعة ميدان هائلة، أسمع من خلال أذني صوت جريان الغذاء السائل في الجهاز الهضمي، وحركة دوران في الجسم بأكمله. أشعر بدغدغة ونشاط جديدين, اهتز من جديد في حركة دائرية ثم أشعر بسرعة تنفسها فأعرف أنها تسير، أنتبه قليلا، ثم أعاود النوم اللذيذ, ولم أفتح عيني بعد, وأحيانا أخرى أشعر بيد ثقيلة تداعبني ، عرفت بعد ذلك أنها يد أبي , فقد كان لا يفارق أمي أينما حلت بينما هي تحملني أنا/ وحلم أبي بداخلها, أبي كثير القلق , لطم موضع رأسي بيده حين راودته فكرة أن أكون أنثى فانزعجت قليلا, ثم هدأت محاوله أن أتحرك لأفصح لأمي عن غضبى, فيهدأ أبي ويبتسم مطمئناً قلبه بذكورتي فأرتاح لمداعبته انتفاخ أمي وأعود إلى النوم*
ولكن لم أهنأ بنومي ,, قطع هناء إغماضتي صرخات أمي تعلن عن قدومي , مبللة بدماء اختناقي,ودوار يصيب رأسي, كل الأشياء تصرخ , وكلها تدفعني للخروج عنوه,لم تمهلني صرخات أمي بالتفكير بيومان متبقية لي بهذه الظلمة , فانتقلت على عجالة عبر سراديب ظلمة من ظلمة أولى وثانية حتى أوشكت على اختناق بالثالثة, حيث كانت فرحة أبي تطوق عنقي , وارتباكه يؤخر ميعاد إنقاذي,وفرجت أمي ساقيها وتسرب هواء, عبر ممر خروج,وتلقفتني يد الطبيب ورفعني عالياً, فامتلأت رئتاي برائحة مستشفى, فضربني على مؤخرتي, كعادة مشينة جداً لا زالوا يمارسونها ,فبكيت , حين علمتُ بأن الحياة ما هي إلا وجهان للظلم ظالم أو مظلوم ,ثم غسلوني, معلقة برقبتي كـ صغار الهررة بيد أحداهن,وتناثرت قشوري حولي, وبعدها غفوت,ليخترق صوت أذان مسامعي ,الله أكبر ,الله أكبر ,أشهد أن لا أله ألا الله ,أشهد أن محمداً رسول الله ,الله أكبر,الله أكبر, مستقراً بقلبي الصغير لتحبا بداخلي الفطرة الإلهية وفتحت لي الدنيا عيناً أرهقتها ظلمة رحم تسعه أشهر ألا يومان, وكان يومي الأول الذي عمل فيه عداد العمر المتصدي ممزقاً بطنينه حلمي في حياه هانئة بدنيا رضعت الشهوات وغرِقت بالمتع ,فبكيت مجدداً , حين ضحكت أمي بشراً بمقدمي ,ولم يفعل هو , (أبي) فقد تراءت خيبه أمله عذابات تضيق على مهدي حين سأل : ( أيمن..؟؟)وحين لم تجد أفواه الحلم ما تجيبه به,تفجرت ملامحي بالأنوثة وقتلته,فأقترب عاقداً حاجبيه حينها أحسست بأنفاسه وهو يؤذن بأذني , ممارساً طقوسه الإيمانية, دون إي رغبه صادقه منه!لأبدأ حياتي مفعمة بالرضا والإيمان, كيوم ولادتي الغارق بابتهالات الحجيج وقد استقرت أقدامهم وقوفاً بعرفات ,وكانت تلك البداية ,بعدها جاء صوت أمي الهادي من ركن سحيق لـ يجبرني على الابتسام بوجه أبي المتجهم حين قالت : (فؤاد ماذا ستسميها ..؟؟)
فجاء رده متأخراً مدنساً بكفرة بمشيئة الرب,وبارداً بعد أن مارس رجولته بنزع تلك الأفكار والعواطف التي تخنقه مبدداً بيده ضبابات خيال أسهدته ضاغطاً على نظارته لترتطم بقسوة بأنفه الكبير: ( من, اُسمي من ؟؟)تمزقت أمي حرجاً وهي تبتهل للرب شكراً حين منحنها الستر وحرمني نمواً كاملاً لحواسي وعقلاً كي لا أفقه شيئاً مما يقولان و قالت : (ابنتنا..!!)
(إيمان ..) قالها بضيق واصطكت أسنانه حين نطق حروف أسمي محرقه كل مسافات عبور بـ حنجرته وكأن أمي واجهته بحقيقة مرة , صافقاً الباب خلفه,فسقط بعض دمع على شفتاي مبللاً حلقي (فيا عجباً أأرُضعت دمعاً..!!)وبذات الصباح الذي استنشقت اختناق رئتاي من رائحة سيجار أبي , أودعت قفصاً صغيراً, بتلك الحضانة المقرفه, حيث عبرت ممراً طويلاً أراقب نظرات حاملتي وهي تلاحق حلمها بسلب قلب الدكتور المشرف على مراقبة حالتي غير كاملة النمو وتمرر يديها على إزار قميص يستر صدرها,وقبل أن تقذفني مسرعه وسط وجوه عده وتهرب حيث الأخرى التى تعلن عن قدوم دكتور آخر أعلنت عنه بقولها : (بيتفل مان ) , مارست الأجهزة احتضاني حين ضاقت الصدور بحملي ,فـ كنت وقتذاك أراقب الفرحة تشرق في الوجوه عداي ,(أرأيتم رضيعا بائساً..؟؟) مؤكد لا ولكن أنا كُنت كذلك فقد كان إحساسي بالفقد / والحزن سبباً بنضج حواسي قبل أوانها, فكبرت أيامي سريعاً لاحتيازي استفهامات كُثر ,فباءت كل محاولات مناغاتي , مداعبتي بالفشل فلا أبتسم ألا نزراً قليلاً, أليست الأجنة تحمل أمزجة من ضاق بحملها ؟؟!هكذا علقت أمي حين علقت الممرضة ع ملامحي قائلة بلطف : ( ستكون فتاه قوية وجميلة ,,)كانت عبارة أمي كفيلة بمنحي الإيمان بموعد ولادتي الخطأ ,, فرضعت الحزن وعاشرت الكفر مع أبي, حين لم يكن راضياً بقدومي,رغم ممارساته الإيمانية الأخرى,فكانت أول شناعة أرتكبها هي عدم الرضا بأي شيء , ومنها ثديي أمي,وقد حاولت معي كثيراً , حدود التوحد الجسدي حيث ضمتني بقوة وبكت,كان يؤلم قلبها إحساسها برفضي لها, و لوجودي هنا بين يديها لأمتص قذارة ما قذفه أبي بجسدها,ولكن حين عاد الحجيج بيوم عيد لممارسه التكبير,وارتفعت أصواتهم بالدعاء ,وعلا صوت أمي بالتأوهات وصوتي بالبكاء منحت قلبي رضعتان, وحالما انتهت نقمتي من جوع توقف أداراها للحليب, وكأن الرب يعرف أنها لا تستحق منحي حبها المدنس , وأني لا أستحق سموم تقذفها بجسدي,وفي اليوم التالي,تمزق جسد أمي وأنتشر به هزال كالوباء وتابع جسدها قذف دمائها المدنسة بحيوانات أبي وأنبوب اختبار , فتتابعت عليه العمليات, حتى كسا شعرها الشيب وترهل جسدها وسقطت كل أعضائها الجميلة ككتل لحم رطبة أعدت للشواء, لتتسرب لخياشيمي رائحة احتراق ,ففتحت عيناي لأراه أبي واقفاً منتصباً كجسد شيطاني , بعيناه الحمراويين وجلدة الأسمر وابتسامته الصفراء وثوبه الباهت كملامحه الباردة ونظراته القذرة ,ليرسم كمداً وحزناً ع وجه أمي , فلا يكتفي بخمس عشر عاماً ذاقت بها الموت وهي تستسلم لمشارط أطباء تعبث بجسدها النظر في سبيل تحقيق رغبته بامتلاك طفل, وحين سقطت مشوهه كـ كبش فداء لي,عاد ليخرجها حيث جحيمه قبل انقضاء ممارسات العيد بأيامها الأربع قائلاً : ( وليس الذكر كالأنثى) لتغوص أمي بالفكر معلقه نظراتها الحزينة نحوه, ليتابع بصوته الخشن نافثاً دخان خبث من صدره : (أنتِ ترهقين نفسك وتكلفيني الكثير فما فائدة كل ما فعلناه , هي أنثى ) وكـ مشرط كانت كلماته, لتقتسمني نصفين,نصفٌ يكرهه وآخر يكرهه أكثر .
ايقونه فلتس لجورج البهورجي / بتصرف