* الحلقة الخامسة عشرة :
وصلت القهوة وتناولت فنجاني في صمت .. في حين قالت سوسن في خفوت
ألا تريد أن تكلمني ... ؟؟؟
قلت بهدوء وعاطفة :-
لقد قطعت مسافة طويلة كي أراك وأسمعك ..وأكلمك
قالت بحزن :-
إذن مابك ؟؟؟..
قلت متطلعا إلى عينيها :-
لقد صرت سخيفا معك .. وتسببت في إحراجك ...و...
وضعت كفها الندية على كفي متمتمة :-
من قال هذا ...
قلت في توتر :-
هذا ما حدث .. وأنا أشعر بالسخط على نفسي من تلك التصرفات ..
قالت في إشفاق :-
يبدو أنني أخطأت بانتقاء عباراتي معك يا ..
كانت تريد قول شيء ولكن الخجل أعاق الحروف في حلقها فصمتت
أمسكت كفها بكلتا يدي وقربتهما إلى شفتي وقبلتهما ... فاتسعت عيناها وهي تمسح خدي بحنان وتهمس :-
كل هذا في قلبك ...
تطلعت إليها في هيام والحروف تذوب على لساني قبل أن أنطق بها فتابعت هي في رقة وهي تخرج منديلها :-
يالك من رجل ...
ومسحت عيني ...
لقد سالت دموعي دون أن أدري ...
يا للضعف ....
إنني أرتجف كورقة في رياح الخريف ... أمام فتاة ...
أفلت كفها واستدرت بجذعي في عجل إلى الجهة الاخرى حتى لا يلمح رواد المطعم دموعي المنهمرة ..
فقالت مفاجئة :-
ماذا بك ...
قلت في سخط :-
إنني أبكي كالنساء ...
قامت من مقعدها وإقتربت مني ووضعت كفيها على كتفي وقالت بحنان :-
لنخرج ...
مسحتُ دموعي بمنديلها .. وقمت ودفعت الحساب مع نفحة إكرامية جعلت الساقية تقول في سعادة :-
أهلا بك في كل وقت ياسيدي ...
أومأت برأسي وأنا أغادر مع سوسن .. التي شبكت أصابعها بأصابع كفي اليسرى ...
وبعد برهة من المشي تذكرت أسعد وزينه فتلفت حولي بحثا عنهما في إهتمام فسألتني سوسن في هدوء :-
عما تبحث ؟؟؟...
أجبت وأنا أدير بصري حولي :-
عن أسعد وزينه ...
قالت بخجل :-
إنهما في طريقهما إلى المنزل الآن ...
قلت بعجب :-
هي إتفاقية إذن ...
قالت في خجل متزايد :-
ألم تأتي من أجلي ..
وهنا لم أحتمل ...
لم يحتمل قلبي دلعها هذا ...
فشددت أصابعي حول أصابعها وقلت في وجد :-
نعم من أجلك أتيت .. ومن أجلك سأبقى
إحمرت وجنتاها في حياء عذري خلاب وهي تقول في إرتباك :-
هناك مكان أريدك أن تراه ...
هل سترافقني ... إنه قريب ..
وضعت كفي على صدري في موضع القلب وقلت :-
إلى آخر الكون ... ياحورية البحر ....
ولم أقاوم .. وهي تقودني إلى الطريق العام وتشير لأحد سيارات الأجرة .. لنركب معا ...
إلى ذلك المكان ...
الخاص ...
* * *
عبرت سيارة الأجرة الطريق المؤدية إلى نهر العاصي الذي يشق شمال سوريا إلى تركيا .. ثم إلتفت بنا حول حربيات ودخلت شوارعا صغيرة تحيط بها الأشجار من كل جانب وعند أكمة كبيرة من الأشجار الوارفة في أول مرتفع أخضر أشارت سوسن للسائق بأن يتوقف ...
نزلت هي وتبعتها وأنا أدفع أجرة المشوار للسائق الكهل الذي تناولها مني قائلا في طيبة :-
أسعدكما الله .. عقبال فرحكم إن شاء الله ...
ابتسمنا في وجهه وهو يبتعد بسيارته في حين أمسكت هي بكفي قائلة بلهفة وهي تشدني :-
هيا .. لندخل الغابة ...
وتبعتها ...
فعبرنا منطقة الأشجار على طريق ترابي صغير بدا أنه مخصص للمشاة .. حتى وصلنا إلى مرتفع قصير صعدته سوسن ثم مدت يدها لي تتلقف كفي وهي تغمغم في سعادة :-
هيه .. اقترب ...
ومددت كفي .. وعلوت المرتفع ...
ولم أكد أفعل .. حتى إتسعت عيناي ...
فلقد كان أمامي .. أعجب منظر رأيته في حياتي ...
للوهلة الأولى .. لم أصدق ما تراه عيني ...
فلقد كنا فوق مرتفع يطل على العاصي (( النهر )) الذي يقسم أراضي تشع بالخضرة اليانعة .. وأمامنا مرتفع آخر .. يربطه مع مرتفعنا جسر من الفولاذ
بدا كالحبال المعقودة .. وعلى الجسر وقف الشباب ..
كل شاب مع فتاته ..
يتحدثان .. متماسكي الأكف في حب واضح ..
و...
يا للخجل ..
بعضهم يتبادل القبل ...
وهنا إلتفت إلى سوسن وقلت في مزيج من العجب والإعجاب :-
ماهذا ...
ردت بخفوت :-
جسر العاشقين ..
إتسعت عيناي وأنا أردد في سعادة :-
هل تعنين أنك ...
وضعت سبابتها على شفتيها وهي تقول في فرح :-
كفى .. فلو لم أعجب بك .. لما كنت أحضرتك إلى هنا ...
عندها مددت يدي وأمسكت كفيها وقلت بشجن :-
إذن هيا لنشارك العاشقين عشقنا يا حورية البحر ...
إبتسمت وهي تلتصق بي ونحن نعبر الجسر الذي أخذ يهتز قليلا تحتنا وسوسن تتمسك بي أكثر ..
بينما رفعت ناظري إلى السماء في لهفة فابتسمت قائلة :-
هل أنت خائف ؟...
رددت على الفور :-
لا .. ولكنني أدعو الله أن يهتز الجسر أكثر ...
تساءلت في حيرة :-
لماذا ؟؟؟..
قلت بخبث مرج :-
حتى تلتصقي بي أكثر ...
توردت وجنتاها بخجل عارم وهي تبتعد عني وتدق قبضتها في صدري مازحة
أيها المتحذلق (( عكاك )) بالعامية ...
قلت بهمس :-
أيتها الحورية ...
أمسكت بيدي وهي تخطو فوق الجسر برشاقة وأنا خلفها ...
أنا خلفها إلى آخر الدنيا ...
إلى حيث تشاء ....
فهي قد ملكت قلبي ..
فلماذا المقاومة ...
* * *
في الجهة المقابلة انتقينا طاولة خشبية صغيرة جلسنا عليها متقابلين ليأتي قروي مسن قائلا بابتسامة واسعة :-
بما ذا يأمر الأحباب ....
طلبنا وجبة من المشويات مع كوبين من العصير .. فانصرف ليعد ما طلبنا على حين قالت سوسن مبتسمة :-
ماهي مخططاتك ...
قلت مباشرة :-
ماذا تتوقعين .. سأتصل بوالدي ليأتي ويخطبك لي من أهلك ...
أطل الفرح من عينيها وهي تتمتم في ارتباك :-
الأمر ليس بهذه البساطة ...
أمسكت كفها وقلت بلهفة :-
لا يوجد مستحيل أمام الحب يا سوسن ....
تطلعت إلي مليا ثم قالت في حنان :-
أتمنى ذلك يا مجد ... لقد انحصرت كل أحلامي في أن أكون إلى جوارك فقط
فمنذ رأيت صورتك وأنت تسكن أفكاري .. وقليلا قليلا بدأت تنفذ إلى قلبي .. حتى صرت أنتظر حضورك على أحر من الجمر ...
قلت ساخرا :-
مع أنني أفتقد إلى الجاذبية ....
ردت نافية :-
على الإطلاق ... أنت وسيم للغاية ...
قلت :-
وهل يكفي أن أكون وسيما لتحبيني يا سوسن ...؟؟..
ردت بشرود :-
ما جذبني ليس ملامحك .... بل عينيك ... شيء غريب يطل منهما ولكنك تألفه حين تراه على الطبيعة ....
أثارت فضولي وأنا أستحثها على المواصلة قائلا :-
وما هذا الشيء ...؟؟..
ساد الحزن صوتها وهي تواصل :-
حزن ... حزن عميق دفين ... عينيك على الرغم من مرحك حزينتان وأنا حزينة طوال حياتي ... لذلك وجدت فيك شيئا مني .. وهذا ما جعلني أتعلق بك ...
أغمضت عيناي قائلا :-
لقد صدقتي ...
سألت حينها :-
ماسر حزنك ...
إبتسمت وأنا أفتح عيني مجددا مغمغما :-
دعيه لوقت آخر ... فلا أريد أن أفسد جلستنا العذبة هذه يا حبيبتي ...
خجلت من عبارتي وأنا أعلق في إهتمام :-
ألا تتوقفين عن هذا الخجل وأنت معي ...
هزت رأسها نفيا وقالت في تلبك :-
لا لا أقدر ... ثم إنه مزيج جميل من الخجل والدلع .. وعليك احتماله فهو لك وحدك ..
أضحكتني قائلا :-
فاتنة .. وفيلسوفة أيضا .. إنك ستكونين أروع زوجة .. لأتعس شخص في هذا العالم ...
ردت بسعادة :-
لا تقل هذا .. سنبني معا سعادتنا يا شاعري .. وسنكون أسعد حبيبين في هذه الدنيا ...
قلت بدهشه :-
شاعري .. وما أدراك بأنني شاعر ..؟؟..
قالت مبتسمة في دلال :-
ساري .. حين أعطاني صورتك ..
قلت بغيظ :-
هؤلاء الشباب .. لا يستطيعون كتمان شيء أبدا ...
قالت بهيام :-
والآن أسمعني شيئا من أشعارك ..
قلت بحب :-
هل ستفهمين كلماتها .... إنها بالفصحى ..
ردت بوله :-
قلبي سيترجم كل ما تقوله لي يا عمري ...
أربكتني عبارتها فقلت :-
سأسرد لك قصيدتي عندما رأيتك أول مرة على شريط الفيديو ما رأيك
أغمضت عينيها وهمست :-
قل ...
وبدأت ...
من أجل عينيك .. سأترك الدنيا وما فيها ..
من أجل عينيك .. أبيع روحي وأشريها ..
استرسلت في قصيدتي وهي مغمضة العينين في لذة واستمتاع وكفي فوق كفها على الطاولة ...
عندها .. لم نعد هناك ..
لا في تركيا ...
ولا في كوكب الأرض كله ..
بل حلقنا في الفضاء ... بأجنحة من السعادة ...
وسط كواكب من الحب الصافي ...
علمني حبك .. أشياء ..
ما كانت أبدا في الحسبان ... رحمك الله يا نزار ...
لقد قلتها وصدقت فيها ..
فهكذا شعرت وأنا مع سوسن ...
عند جسر العاشقين ...
في تلك اللحظة من الغرام ...
التي لن تمحوها الساعات والأيام ...
مهما حدث .............