لمن تُذرف الدموع ؟!
_ .......
_ سأنظر في الموضوع غدا يا رزّة ..في أمان الله
بهذه العبارة أنهت نور محادثتها الهاتفية والتفتت لصوت والدتها السيدة سمر وهي تسأل
_ مع من تتحدثين ؟
_ زميلتي في العمل الدكتورة رزان
_ سمعتك تقولين رزّة
_اسمها رزان ولكن والدها الأستاذ فارس العربي لا يناديها إلا رزّة مُذ كانت صغيرة وحتى الآن ..
( رزان فارس العربي ) انتاب السيدة سمر ذهول حين ولج هذا الاسم أذنها ..أيعقل أن يكون هو فارس حبيبها الذي كان يوماً ماليء القلب وشاغل التفكير .. وما زال .
هل انتشله القدر من براثن الفقد الذي أسقطه فيها ليعود به ثانية بعد عشرين عاما ..
انسرح فكرها في أفق تزاحمت الصور في مداه , كان يحدثها عن ابنته الرزة كما يحلو له أن يناديها به , كان يطلق عليها لقب الحارس الشخصي كونها ترافقه أينما ذهب , يتحدث عنها حد الوصول إلى تخوم غيرتي ..أيكون هو ؟ ..لا أكاد أصدق ولكن الدلائل تشير على أنه هو .. والقلب كذلك ..
اخترم السكون صوت نور يمزق حبائل التفكير الملتفة هو والدتها
_ استأذنك يا أمي ..سأذهب لأنام
_ تصبحين على خير يا حبيبتي ..آه لا تنسي .. أريد التعرف إلى رزان
_ حسناً .. سأدعوها للعشاء مساء الغد ..
مضت السيدة سمر إلى حجرتها , أوصدت الباب وأشرعت نوافذ الذاكرة على ذاك اليوم من شتاء العمر حين انسلت من بين الغمام خيوط دفء تنسج من الحنو منديل حب تمسح به ما ارتسم من صقيع الواحدة على جبين عمرها.
ارتمت على السرير وطفقت تنفض عن أرفف الذاكرة ما علق بها من أغبرة السنين الخوالي , تواردت الأفكار تخلق في قلبها شعوراً جميلاً بأنها ما زالت تعيش تلك الأيام حين كانت تروي تشققات الحنين من ودق غيمة حنان فارس وعطر كلماته وهو يسكب في أذنها ..أحبك يا أجمل العمر .
آه يا فارس ..آه يادمي ..لم تكن أبداً يد حبك مغلولة إلى فؤادك ..
جمح بها الخيال حين أغمضت عينيها تستدني طيوف ذاك الذي غيبته السنون في رمالها , تراه مقبلاً يتضرج وجهه حباً ويهمس لها في حنو ..مساء العطر يا أجمل ما في دواخلي ..
أحست نحوه بشوق شديد ولهفة أن ينتشلها مما هي فيه الآن ويضمها إلى صدره كي تنتظم أنفاسها المتسارعة مع خفق قلبها .
تقدمت خطى الليل وهو يجد السير في درب تحفه الذكريات وتقفوا أثره رواحل أفكار ما برحت تنبض بين القلب والحنايا
.......
حل المساء وحانت لحظة ما غفلت عين السيدة سمر منذ انتظرتها , أقبلت رزان تمشي في هدوء , يدها في يد نور وبينهما ابتسامة وهمس لا يكاد يُسمع , أسرعت في خطوها حين رأت السيدة سمر ومدت يدها نحوها وهي مطرقة في حياء ..أحست السيدة سمر برعشة وهي تصافح رزان , أرادت أن تقول شيئاً ولكن لسانها تعثر في أطراف الكلمات , طفقت تتأمل وجهها وتتفرس في ملامحه , امتدت يدها تمسح جانب وجه رزان وتداعب خصلة شعر انسدلت على جبينها .. نهض لسانها من عثرته وهمست في حنان بالغ ..رزّة ..سحائب الحنين أسدلت على عينيها ستائر الدمع وعلى وميض بارق الذكرى تبدى لها وجه حبيبها فارس متجسداً أمامها في صورة ابنته ..هزها الشوق وفاضت عيناها بأحلام توارت في طيات السنين الماضية , انهال عليها سقف الذكريات , أرادت أن تقاوم فخذلتها دموعها المنسابة وألفت نفسها تحتوي رزان بين ذراعيها وتضمها لصدرها تستشعر دفئاً وحناناً ورائحة حب انبعثت من عمق الذكريات
لمن كانت تذرف الدمع ؟
أكانت تبكي حبيباً أوقدت له ذات شوق من لواعج العشق فناراً يهتدي بنبضه بيد أن دوامة البعد رحلت به إلى الأعماق وحال الموج بينهما
أم كانت تبكي حظاً سقط في براثن ساعة نحس لم تنقضي دقائقها بعد
أم أنهاكانت تبكي قدراً بعث جذوة من بين رماد الماضي لتحترق به شوقا
ابن المدينة / يوسف الحربي