تمر بنا الدنيا فنكون أطفالًا نتشبث بيدي والدينا وأجسادهما طول حياتنا ، وننظر إليهما ونقول في أنفسنا : هؤلاء لايمكن أن يموتا ! ثم نكبر ونراهم يكبران ، ونتزوج فلا نبات عندهما ، وكلما عدناهما نقبل أيديهما وأقدامهما ورأسهما حبًا وولعًا وخوفًا عليهما ، ثم يرزقنا الله بالأبناء فيكبرون وننظر إلى والدينا ونراهما يكبران أكثر ، ويعتريهما الضعف والمرض ، ويضعف سمعهما ، ويتأثر نظرهما ، وتخور قواهما ، وبحتاجان للمستشفى أكثر ، وقلبنا يرتجف عليهما ، ونظل في خوف وقلق ودعاء ، ونحن نبعد عن خاطرنا فكرة أن يأتي يوم دون وجودهما ، ونكبر نحن وأبنائنا يشبون ثم نتناقل أحدهما للمستشفى كثيرًا حتى يذهب الأب لرحمة الله فينكسر الظهر ، ونتوه في دواخلنا مسلمين الأمر للع ومسترجعين بإنا لله وإنا إليه راجعون
تحزن الأم عن افتقاد الصاحب والأهل الزوج والحبيب ، فنبات قلقين على الغالية وحزنها ، وتذكرها له ، وإيمانها بقضاء الله وقدره ، فتسأل عنا ونأتيها ونسأل عنها ونقبل يديها ، وحتى اشتمامنا لرأسها أصبح موجعًا على الرغم من رائحة الحنان والرحمة والأمان ثم تذهب روحها لبارئها وحبيبها الذي تحبه وتلهج بذكره ؛ لتجد نفسك رغم كبرك أنك بت وحيدًا لم يعد معك إلا الله سبحانه ، تفتقد نصح الأب الدائم ، ودعاء الأم الذي لاينقطع فتسير بقية حياتك في غربة ، وتوهان . تدعي لهما ، تسترجع ذكراهما ، يرزقك الله بهما في المنام فتفرح ، ثم تقوم فلاتجدهما ، فتتجدد الأحزان ، وتتذكرك الدموع .
ثم نكبر نحن وتظهر علينا علامات التقدم في العمر ، ونكثر من الدعاء ببر أبنائنا لنا ، ونسأل الله ألا نتعبهم ، ولانقلقهم علينا ، ونغدو لانتحمل تصاريف الحياة أكثر من ذي قبل ، وكلما تقدمنا في العمر كثرت جلستنا في البيت ، وقل خروجنا ، وبتنا مريد الهدوء أكثر ، وبتنا نريد أبناءنا بجانبنا ألصق ، وبتنا نتعمق في قراءتنا للقرآن الكريم ونصل لمعاني لم تكن تأتينا في شبابنا ، بل ونشعر بالآيات الكريمة كما لم نشعر بها من قبل .
فاللهم احسن خاتمتنا ، وارحمنا واغفر لنا إذا صرنا إلى ماصار إليه والدينا ، آمين .