إلى وقتٍ قريب كنتُ أظن أن معنى إسم (الجبَّار) لا يحتمل أكثر من معاني القوة و العنف و الصولة و الجولة.
فعندما يقولون : هذا رجلٌ جبَّارٌ أو امرأةٌ جبارةٌ ، يعنون أنه عنيف و قويٌ بلا هوداه.
فهو يُجبرُ الآخر على ما يريد و يقهره ، لذا كان جبارا.
و لكن عند الرجوع إلى التصريف اللغوي نجد أن الفعل "جَبَرَ" يتصرف كالآتي :
جبر يجبرُ جبْرا و المبالغة منه "جبَّارٌ" و اسم الفاعل "جابرٌ" و "متجبِّرٌ" يأخذ معنى اسم الفاعل سوى ما فيه من المبالغة في المعنى ؛ لأن القاعدة أنه كلما زاد تضعيف الحرف كلما زاد المعنى قوَّةً ، و كلما كثرت الحروف عن التصريف الثلاثي فهو إفادة للمبالغة كذلك.
و أحب أن ألفت النظر إلى أن أسماء الله تعالى هي أسماءٌ و صفاتٌ فليست متمحضة في العلمية من غير معنى.
و من أسمائه تعالى "الجبَّار" ، أدهشني شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله حين أفاد أن إسم الجبار من أرق أسماء الله تعالى و ارجاها و أكثرها حنواً.
و تسميته تعالى نفسه ب"الجبَّار" بتضعيف الباء يفيد المبالغة و التكرار لمعنى الإسم و هو الجبْرُ ، خلافا لاسم الجابر فهو لا يحمل هذا المعنى من جميع وجوهه.
و أنا أتأملُ الفرق بين إسم الرحمن أو الرحيم و بين الجبار الذي يحمل معنى جبر الكسْر فأجد أن صفة الرحمة عامة و صفة الجبر خاصة ، فكأن الجبَّار قبل أن يجبر الكسر رحمه فجبره. فالجبر للكسر و للضعف لا يكون إلا من صاحب رحمة واسعة.
فما أرحم الله و ما أكثر ما يجبر من أحوال خلقه .
فحين يكسر الزمنُ قلبك فقل يا جبَّار اجبر قلبي ، و حين ترميك النوائب عن قوس واحدة فقل : يا جباَّر اجبر كسري.
فلن يتركك تروح و تغدو بين أوجاعك من غير أن يجبرك في ألامك و أوجاعك إن لم يكن هناك مانع من الإستجابة للدعاء.
و يقول الناس : جبر خاطره ، يعني طيَّبه و لملم جرحه و أرضاه.
فهو سبحانه و تعالى جابر القلوب المنكسرة ، و جابر العظم المكسور .
و لا يطلق معنى جبر الشيء إلا عندما يكون مصابه و جرحه عميقا جدا و في مكان ليس من السهل برؤه فيستدعي المرء هذه الصفة و هي جبر الكسر.
و هذا من أسرار هذا الإسم العظيم الرحيم .
فيا جبار اجبر قلبي و أصلح حالي و حال المسلمين.
( هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُالْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ)