أعطتني والدتي (ماعون) قدر مليء بالمأكولات بعضا مما نتناوله وقالت لي أذهب به إلى عامل المزرعة وكن حريصا على إعادة ذلك القدر فذلك (الصبي)العامل مايفهم .
نفذت أمرها وفي داخلي تساؤلات كثيرة لماذا والدتي تعطف على ذلك العامل رغم أنه لايجيد عمله وكثيرا مايسبب لها الإزعاج ،واعظم تلك التساؤلات ماسبب قدوم هؤلاء لقريتنا المتواضعة أين أولادهم وماسبب أختلاف بشرتهم عنا؟
كان عالمي نافذة بسيطة لاترى سوى وجه أمي .
لذلك وإلى الآن لاتزال أمي هي عالمي .
رغم أنني وقتها كنت أذهب للمدرسة ،ولكن منعكف على بيت أمي .
لهذا السبب كنت أرى دفاتري أصابع أمي ،وكفها هي سبورة معلمي،أعتدت تنفيذ ماتطلبه مني بالدقة التي لايمكن للآخرين تصورها ،كنت الأول على فصل تدريسي بعموم المراحل الدراسية .
حينما وصلت لوالدتي سألتني أين القدر قلت وجدت العامل يقرأ كتاب لونه أخضر(عرفت فيما بعد أنه القرآن) ولم أحب قطع خلوته ردت بإمتعاض ماني معلمتك لاتخليه ،!!
ربما هي من الأوامر النادرة التي لم أنفذها وقتذاك.
سألتها أمي ليش ترسلين له أكل من بيتنا ،قالت بسكون لأتقرب من الله .
كان ذلك الحديث يأسرني من هو الله ؟!!
الجميع يتحدث عنه بشغف بالغ !
وأجابت الله هو من خلقنا ورزقنا وأعطانا هذه الصحة لكي نعبده .
رغم بساطة التعبير ألا أنه كان العنوان لقادم لحياتي .
مواقف عابرة في عقل طفل تنمو معه نحو ماهو أعلى .
الآن وأنا أشاهد المواقف العابرة لأطفال الحي والمدرسة والشارع أجدها تختلف كثيرا عن مواقف طفولتنا .
الآن أجري في كوكب الله وبين سائر مخلوقاته وأجدني ذلك الطفل الذي يبحث عن (ماعون) والدته ،لم أعتقد أن الحياة شائكة وبالغة التعقيد لدى بعض مخلوقاته وفي غاية السهولة لدى القلة منهم،تختلف ثقافات تلك الشعوب ومابين مجتمع وآخر،ويظل التداحر فيما بينهم قائم ،ولاأجد السبب الذي أجبرهم على إفتعال ذلك ،كان موقفي واضح من هذا التداحر الوقوف جانبا بعيدا عن طرقهم الشائكة والوقحة في وقتٍ معين ولو كنت لوحدي.
لم أفضل ترتيب الحسابات وتقدير حجم الأرباح والخسائر ،كنت أتخذ من ذلك الموقف الذي أفتعلته والدتي مع العامل خير مثال ،يظل العطف أمر رباني في غاية النبل ،يعطي للأرض معنى للحياة .
مع تقدم العمر رأيت ماهو أجمل وأنبل من ذلك الموقف ،حديث جماعي خفي يقع بين أفراد البشر دونما نشعر ،يتبادلون رسائل مع خالقهم ليشاهد صنيعهم الطيب،هكذا يفضلون أن تظل حياتهم على هذا المسار،والحمدلله لايجدون من يحاول منعهم ،بل تتهيأ لهم سبل ممارسة ذلك العطف،تهشيم الأنا في غاية صوره .
الآن أجيد التعبير عما بداخلي بعد أن أمضيت طفولتي وأنا أبتلع لساني ،أحلامي كبيرة والعمر قصير:
في النهاية سوف أنزلق بهدوء ولكن تحت المطر
وببطءٍ شديد
فلا أحد يمضي نحو الأمام مكتملا
سيكون لسقوطي حديث فارغ
كما أن إندفاعي لن يكون بلآ ثمن
لا أحب الأحلام المتعجرفة ولا الأرواح المتكسرة
على ماذا القلق ؟!
فكل الحياة مجرد نفق