بين يدي الأميرة.
كما تخفي الحسناءُ حاجةَ الحبيبِ تحتَ ثيابها
تخفي الأيامُ صروفَها تحتَ مسمياتها،
وكما تتبخر قوارير العطر
تتبخر أنفاسنا..
آهاتنا..
نبضاتنا،
فتضيع أعمارنا رويداً رويد.
ذات مساءٍ يا أميرتي..
أضعتُ عقلي على صحنِ سريرها،
ونسيتُ عيوني تحتَ ثيابها،
وغدوتُ - للهِ أنا.. - مجنوناً أعمى.
آواه.. يا أميرتي من كيدِ النِّساء!
هكذا صرتُ أمضي!..
أتوكأ الجدران،
وأتلمس الأشياء،
كي أهتدي،
وتأخذني الخُطى بينَ الغواني،
فتقع يدي حيناً على خدٍ هنا،
ونهدٍ هناك،
وحيناً على خاصرةٍ هيفاءٍ قد امطرتْ
هذي تبتسم،
وتي تعضُّ لساني،
وتلك تقضمُ بناني
حتَّى غدتْ الأكفُ دونَ البنان،
ومرت الأيامُ بصُروفها،
وذات يومٍ يا أميرتي..
أشارَ الشِّعرُ عليَّ أن أمضي عندَ عوانسِ الكُرُوم،
فذهبتُ،
وفرشتُ بساطي تحتَ ظلالها،
وتوسَّدتُ منها الجذوع،
وسمعتُ العذوقَ في شفاهِ الرِّيحِ تبكي أوجاعها،
وسمعتُ اليمامَ تقول :
هاتْ العيون نحو الشَّفق - وما علمت بضياع العيون! - :
هذي السِّحابُ قد ضاعَ بياضُ ضُحاها،
ففرتْ نحو الغروب،
وتراءت للعيون باصفرار وجنتيها،
واحمرار ناظريها،
وهذي الأصيل الغارقة خلفَ الأفق - أنظرْ كيفَ تبكي النَّهار؟! -،
فبكيت معها حتَّى صرتُ بقايا ورقٍ
من ديوانِ شعرٍ مزقته الرِّياح..
يأخذني هُبُوبُ العطرِ،
فأتوهُ بينَ سيقانِ الزَّهرِ تارةً،
وتارةً أعلقُ بينَ أشواكِها..
حتَّى جاءتْ بي أنفاسُ العطرِ عندَ نوافذكِ،
وألقتْ بي رفقاً إلى خداعكِ،
والآن يا أميرتي..
إن شئتِ ضعيني دفاترَ شعرٍ على رفوفِ مكتبتكِ،
أو أصنعي من ضلوعي منضدةً لقواريرِ عطركِ،
أو اشنقيني بخزانةِ ملابسكِ،
ثمَّ ابكي معي،
وان شئتِ ألقي بي إلى الجحيمِ.. من النَّافذة.