وأطلت علينا من نافذة فيروز المشرعة شدواً عيون شعر لتجوس خلال الحنايا فتنة , من أحداقها ينبعث بريق حنين يتنامى بين الضلوع شجنا لتنساب على خدود العمر دمعة الزمن والذكريات
شعراء خلدوا نبضهم شعراً على تموجاته تهتز المشاعر وترقص , وخلدتهم فيروز في مساحات الذاكرة أثراً لا تعفوه رياح النسيان وأمطار السنين
جوزيف حرب أحد الشعراء الذين نقلت فيروز أشعارهم من ضيق الورق إلى امتداد الأفق , ليس بحاجة لــ أل التعريف فسبابة الشعر تشير على الدوام صوبه , على أوراق دواونيه صافحته الذائقة المنقِّبة عن الجمال وعلى تضاريس الأذن العربية غرسته فيروز قنديلاً يضيء الذاكرة والوجدان .
الحديث هنا ليس عن فيروز ولا عن جوزيف حرب , الحديث عن أولئك الذين تجزأت بين أيادي مركبات النقص التي يعانون منها المباديء وتوزعت أشلاء كل شلو طوحت بها الأهواء حيث تريد , هم يرفضون الشعر العامي رفضاً أعمى ويجعلون أصابعهم في آذانهم حين سماعه , يرون فيه كبيرة حرمّها التشريع الشعري , هؤلاء القوم وجدتهم ذات يوم في حفل تضيء قاعته بــ جوزيف حرب المحتفى به , وجدتهم يعزفون بكل آلات المديح الموسيقية ويغنّون بمناقب هذا الشاعر ..هو شاعر كبير شاء من شاء وأبى من أبى ولكن أين هي مواقف أولئك من الشعر العامي , أليس جوزيف هذا أحد أساطينه . أم أنها آية التحريم نزلت في شعراء الجزيرة العربية دون غيرهم .
فكرت كثيراً في هؤلاء وحكمهم الأعور الذي يرى جانباً من الطريق فقط ورجحت أن يكون الأمر نقص تجاه الآخر القادم من وراء التخوم ..نقص وهزيمة داخلية يصورها خير تصوير المثل الانجليزي القائل ( الزهور في شرفة جارنا أجمل من زهور شرفتنا ) .....
الشعر العامي هو لسان الموروث الشعبي , هو شعر يرسم نبض الحنايا كما هو الشعر الفصيح , يركض على دروب لغتنا الدارجة , يتأبط نبض شوارعنا , يسرد أسرارنا / أحلامنا
لهؤلاء المعاقين حكماً ورأياً أقول : وكما وقفنا احتراماً وتقديراً لجوزيف حرب وعبدالرحمن الأبنودي حق علينا أن نقف لكل من نحت من أضلعه شعراً وإن اصطبغ بالصبغة العامية طالماً هو يخاطب فينا مشاعرنا التي لا تقبل زيف
ويبقى سؤال مهم :
لماذا يرفع البعض طرف الثوب حين عبور طريق الشعر العامي المحلي بينما ينسدل الثوب حين يكون الممشى أرصفة الآخرين ؟
يوسف الحربي