نواجه شخصيات مختلفة في الحياة فهناك شخصيات واثقة بل وهادئة بل وتحسب خطواتها خاصة المصيرية جيدا فتتحمل نصيبها بعد ذلك لأي قرار جعلته في موضع الفعل سواء أتضح بعد فترة أنه كان صائبا أو خاطئا ، وهذا النوع من الناس تحترم فيه صدقه مع نفسه ، ولكن هناك نوع آخر يحاسبك إذا فشل على فشله ، أو ذنوبه ، أو أخطائه ، لأنه يريد أن يلقي بالتبعية عن عاتقه حتى لاتلمه نفسه أو يلمه الآخرون ، فالبعض يجعل انتقاد الآخر هو عين الحق والحقيقة ، ويرى نفسه بعد أن تذهب السكرة وتأتي الفكرة أنه لايمكن أن يخطئ أخطاء بهذا الحجم لولا أن فلانا غشه ، وأن علانا أعمى قراره ، وأن فلاتانا تآمر على سعادته ، اذا سيحمل كل إرث أخطائه وخطاياه على عاتق الآخرين ، والبعض لن يتوقف عند هذا الحد بل سيصدق كذباته ، ويدافع عن نفسه عندما يلومه الآخرون ليبرر أن مافعله هو ليس إلا لأنه تم الضحك عليه والتلاعب به ؛ وكأنه طفل صغير لايجب أن يتحمل مسؤولية نزق قرارته وتسرع أفعاله وعدم وزنه للأمور .
عندما يصدق الإنسان كذبات كذبها على نفسه ، ومن ثم يصدرها للآخرين بأنها صدق حصل له وأن أخطاءه وخطاياه ليس هو سببها وإنما هو ضحية تآمر العالم ، وخداعهم له ، ومن ثم يصدقها بعض المغفلين بسبب دموع التماسيح ، فنحن هنا بإيزاء ظلم مرير قاس وشرير ، بل نحن هنا نواجه نفس مليئة بالسم ، ولتكمل تلك النفس سمها الذي تخرجها من كل جسمها وهي تدمع فستتغير ابتسامة الشخص معك بشكل مفاجئ وتنقلب لتكشيرة ، وعدم رضاء وغضب ساخط، ونظرة لك بأن خيبت أمله فيك ؛ ليقنعك بأنك أنت سبب ما أحيط به ، وليصبح أي فعل لك معه ولو كان بسيطا بل يتوجب منه هو أن يعتذر لك ؛ ليقلب الطاولة بكل مكر ليجعل الخطأ العظيم غير المتوقع منك وعليك الاعتذار له ، فكم قد تحمل منك أخطاء كالجبال ( حسب الكذبات التي صدقها وصدّرها ) .
أتذكر مثلا قاله لي صديق عزيز عن أمه وكنت دائما اعترض على هذا المثل معتقدا أن الناس لم يصلوا لهذه الدرجة من السوء ، يقول المثل : إذا تبغى الشر مايجيك ، الخير لاتسويه .
ومازلت غير مقتنع بجدوى وصحة ذلك المثل ، على الرغم من مكر وخداع كثير ممن نتعامل معهم ، ولكني أؤمن بالمثل الجنوبي القائل - مع اعتذاري عن اللفظ - : ( قال ماعادني نايم عندك ! رد عليه : " ريحتني من ضراطك " .