_
لم يكن حضورك الأول عادياً ولم أكن انا بطبيعتي على كل حال !
كل شيء كان يبدو مغايراً ومختلفاً !
الكلماتِ , السماء , رائحة المطر , ولون القهوة , وَوجه المدينة
حتى الموسيقى في ذلك اليوم لم تكن عادية !!
وكأن كل شيء رتب نفسه بمقاس احتياجنا لأن نغرق في مدى اللقاء الأول ,
في غمرة الجنون الأولى والحديث الأول !
لكننا كباقي البشر لم نكنُ نملك تلك القدرة التي تكفينا لأن نكتشف ماهية أقدرانا قبل
أن ينتصف بنا الطريق ويهلك أحدنا في انتظار بزوغ شمس الآخر !
أفرطنا كثيراً في الحديث , الغناء , تشكيل قوالب أحلامنا بمقاسّ احتياجنا لأن نكبر
معاً ونشيخ معاً , وما أنصف القدر " أحلامنا " فافترقنا !
*
مُتعسَرّة هي ولادة كُل الاشياء الجميلة في غيابك !
وَعقيّمة هي الحياة والأحلام والامنيات , وباردة هي أحاديثُ العابرين !
حفيف الشجر لم يعد يُثير فضولي لَتفحصّ ملامح المُستقرين على عُتباتِ
الشوارع الليلية !
وَالموسيقى الصاخبة لم تعد تروقني أبداً !
حتى الروايات الأدبية حرضني غيابك على اعتزال ضجيج أوراقها فاعتزلتها
جميعاً واكتفيت بالقراءة لك !
*
تُبعثرني المساحات الضيقة التي لا تنتشي بزحام كلماتك .. يخنقني الصباح
الذي لا يحظى بمعانقة ندى عبورك !
يمضي النهار برتابة , يتشكلُ لُونهُ بلون الغياب , فاختفي " أنا " في طور
بداياتهِ حتى يغيب أو أفقد أنا الشعور بهِ وبكل شيء يصنعه !
وحالما يأتي المساء اسعى جاهدة لأن أُغير شكله ولونه وملامحه , لكن الحنين
يغتالُ محاولاتي دائماً ويُسند كُل الأشياء إليك , يُلونها بلونك , ويُشكلها بصوتك
, ويعزفُها على أوتارك , ذلك الحنين الذي لا يتقيد بزمن ولا بموسم ولا بمكان
فأتشكل أنا والمساءات الخاوية منك بك , نسترجعُ ذكرياتك ورسائلك معاً ,
ونغنيّ لك بصوتٍ عالٍ جداً , ونرتب فوضاك وَصورك وَملامح اشتياقك لأننا
نخشى أن نفتقدك في زحام الحياة , أو أن ينسينا الزمان لذة عبورك الأول
ولذة الغرق في ثَنايا الحكايات التي كُنت تتجسد بها !
*
أراقب تحديثاتك في كل مكان وأكتب لك رسائلي الناقصة وأتعمد أن اتركها
عالقة بيني وبينك , أتفحصّ زواياك العتيقة وأراقب ظلك من بعيد وأتمنى في كل
مرة أن تدير رأسك نحوي قليلاً فَتدرك ضعفي وَتستقر بيّ بلا غياب ,
وتضوي بنورك مساحات كوني أو تغيبني في ذات المساحة التي تغيب فيها
" أنت " تُلقنني نسيانك كما يجب عليك أن تفعل , ثم تمضي !
*
علمني كيف اتنفس السعادة , وسعادتي كُلها مرهونة بين يديك ..
تقاسمك رهبة الغياب , وَتبارك لك خطواتك الأوُلى في سلم الأمنيات !
علمني كيف أغيبك في أُفق الأمس , وأتنفس الحاضر والمستقبل دون
أن أتعثر بك !
*
مممم كُنت لا أُظهر لأحدٍ من العالمين حقيقة ضعفي وانهزامي وتبعثري ,
حتى ولو كلفني الامر " حياتي " لا لشيء فقط لأنني أُؤمن بأن الافراط في
الحب / العطاء يورث فينا ضعفاً بليغاً من شأنه أن يكسرنا ألف مرة , ويبعثرنا
ويكتب للحكايات الأولى نهايات موجعة قبل أن تُروى حتى ... الا إنني وحين
أحببتك بإفراط غابت كُل الأشياء بي و ماعاد يهمّ أي الطريقين أصوب , كل
شيء تغير فيّ حتى معايير الحياة والعطاء والحب تغيرت في عيني !
فبفضلك كفرت " أنا "بكل قناعاتي واكتفيت بك , وأحببت فيك وبك ومعك
ضعفي وتبعثري !
*
ويمضي الأمس واليوم والغد وأنت كما انت لا تتغير ابداً , يشكل منك الغياب
لوناً باهتاً يستقر على صدر كل الأشياء الخاوية منك بلا أُفول !!
سارة القحطاني