(4)
كانت عذروات الشمس ذوات الرداء القرنفلي يجبن الحقول وَ يجمعن زهور النرجس الصفراء ، بعد أنْ حفلت إحداهن بآنية من فخّار نفخ بها القس لتتبارك وَ لا تذبل بها الزهور
كما أنَّ هذه الزهور وفقاً لسماحة الأب الرابع عشر و القابع في رأس الحي جالبة للحظ لهؤلاء الفتيات ،
و ما فتئت بنانهن تجمع هذه الزهور لنثرها على بوابة المعبد أو قد تُحرق وَ يستخرج منها البخور لإضفاء قداسة على المكان ..إلا و
بلمحةٍ خاطفة قد تبدّى لهن " الرخمة " تاباكي
ليثير الذعر في نفوسهن حتى سقطت إحداهن ممن تُعاني من متلازمة أليس في بلاد العجائب
و هي تمتم : ط ط طوطم ..
اقترب بسرعته المعهودة و عدم قدرته على الإلتفات مما يسلّم أنه يسير بخط عامودي ، قاصداً الفتيات بعد أن اشتهى رائحة اللحم البشري وَ ريقه يبدو كطوفان نوح ..
إلاّ أن الوسطى منهن سحبت حطبة صغيرة مشتعلة لتتذرع بها بعد أن رفعتها بوجه هذا المفترس نابش القبور
مما جعل هذا الجبان تاباكي يتراجع للخلف و يردد في أعماق نفسه " يكرهون الشيطان و يتذرعون بمادة خلقه لتذود عنهم ، صدق من قال عنهم بشر "
تبدّى له الشيطان بقرنيه الحمراوين و هو يتثاءب
قائلاً: لا يعقل أنني لا استطيع النوم يا تاباكي ، فهل تُخفيك شذرة مني و من اللون الأحمر ..اقترب و لا تخشى من أحفاد القرود فهم جبناء
تاباكي يتمتم : أحفاد القرود إذاً تقول أو لا ترى و لا تدرك الفرق بين خلقهم و خلق الصعاليك القرود الذين انصاعوا لأمرك ذات تجلِّ حتى قولبوا لهذه الخلقة الدميمة ؟
الشيطان لا زال يتثاءب : " يا رجل دع عنك لومي ، و على ذمة داروين " أنهم أحفاد القرود ، هيا اقترب وَ اظفر بذات الورد تربت يداك ـ
تبعها بضحكة محفّزة بعد أن حرّك حاجبيه بطريقة آلية لا يجيدها إلا الخبثاء .
الصغرى منهن بكت بكاء و تضرّعت للسماء أن تكف هذا الحيوان المخطط الذي لا يشبه الطوطم الذي جعلت من هيئته القبيله شكلاً ..
إذ أنه نحيل قصير ذو أنياب تختلف عن الطوطم المعقود بناصية عُشتهم ..
نطقت الوسطى و الشعلة بيدها بعدة طلاسم وَ كلمات تبدو كخليط مجمّع من " آكسنت " لغة غابة أسد بن نمرود
و حدث أن سقطت الآنية بعد أن مُلئت بالزهر الأصفر ليخطفها الجبّان وَ يثبتها بفكيه ، و أنيابه كانت السجّان للآنية
تراجع للخلف و هو يهرول مسرعاً ، لتخرج له التماسيح البريّة ـ ليست ممن طالوا شرف الحراسة عند الملك بيد أن هذه 110 لا 220 ـ
لتقدم له الخدمة كيف لا و الآنية هذه نفخ بها القس البطل الذي يقفز بخفة من شجرة لآخرى ، لا الطوطم الحقير " باقيرا " ..
التمساح الكهل ذو الحاجب الأبيض : رعتك روح القبس المنفوخة في هذه الآنية ، البشر يخشوننا و يصنعون من بعضنا طوطم ، و نحن نخشاهم و نجعل من أرواحهم أو هيئاتهم طوطم ..
تاباكي بعد أن مسح على كتفه : يا شيخ كنت سأظفر بتلك الفتيات من بني البشر و أعقد لجميع من في الغابة حفلة شواء فاخرة و لم أخشى مطلقاً النار تلك فكيف أخشاها و هي تموت بالماء ،
أتعلم حدثني والدي عن جدي عن عمه لأبيه أن في عهدهم لم توجد هذه النار مما يوحي أنها بدعة و كل بدعة ضلالة
و أعلم أيضا ـ طلعت حركات سعدون هههه ـ قبيل فترة لحقت سرب الصعاليك من القردة الخاسئة بشعلة من نار اختطفتها مِنْ الرحالّة البشر
ـ ما أبي أحط بذمتي أنهم بشر بس من هيئتهم مبين أنهم بشر ـ
قاطعه التمساح الكهل بعد أن فارقه اثنين من أحفاده مسبقاً و هم يتمتمون : " سعدون ما يترك حركاته "
قال له : أو لم تقول أن والدك عن أبيك عن جدك الحادي عطش قالوا بأنها بدعة !
تلعثم تاباكي ليقول : " والله العظيم حالة ، لا تجادلني لا تنسى ترى ما فيه تكافؤ نسب بيننا يا 110 "
التمساح : هداك الرب يا ابني ..، و هل طبتك للزواج !
تاباكي و هو يسير مُطّت حدقتيه بعد أن تخيّل الوضع لو فعلها هذا التمساح به
و حرك مكابح حوافره بأقصى سرعة ممكن و كان حريصاً على الآنية التي اغتنمها من عذروات الشمس ..
القردة الخاسئة كانت مطلعّة على الوضع و هاهي تسارع بالقفز بخفة و خفية كي تتشارك الغنيمة مع الصديق المخلص تاباكي
ربما و عل و عسى أن تتخلص من سيطرة باقيرا ، إذ ما اكتشفت أن بهذه الآنية ما يحفظها من شره و شر الطبيعة من زلازل و فيضانات و همجية من بني البشر ..
تاباكي بعد أنْ استقر بعرينه المتواضع جداً سحب نفس طويل : آه عطش عطش سحقاً لك أيها التمساح الكهل ..
" تاباكي ،، تاباكي ،، تاباكي "
تاباكي : يالهذه القردة المتشردة ـ أخالها تنوي المراح في عريني كعادتها ، " ناقص جولات تفتيشية من الهيئة " سمعتي تلطخت بالتراب بسبب هذه القردة ..؟
خبأ الآنية و غلفها بمجموعة من القش المتهالك و خرج بعد أن وضع يديه على خاصرته : نعم ، أو لا تعيين أننا في ساعة تعرف بأنها وت للقيلولة ، مالذي أتى بكِ يا جدة البشر الهمجيون ..؟
شهق القرد الصديق وَ نطق : ماذا ماذا لم اسمع ... نحن أجداد البشر أيها الهالك استغفر قبل أن تحل بك الغابة سخطاً ..؟
تاباكي بعد أن سحب إحدى القردة : " و لا واحد أشوفه يوطوط بالقرب من الوكر " ثم أنني لم أختلق عليكم أية أكاذيب ، داروين هو الأستاذ ذاته الذي درسني هذه المعلومة في جامعة مملكة آل كنغر المتحدة ..؟
القردة تهامست و تبادلت الضحك بعد أن قالت : رجعت حليمة لعادتها القديمة ، سعدون لا يترك نهجه مطلقاً ..
تاباكي بعد أن قطف تهامسهم و مراشقتهم للضحك : تباً لكم أيها الجهلاء ، هيا انصرفوا فأنا ذو شهادة لا يحظى بها أحداً أبداً في هذه الغابة التي توالونها لكي تكرمكم بالموز فقط
بينما لا تمنحكم أية حق من حقوق الحيوان ديكتاتورية وَ أنظمة راديكالية فقط ..
الصعلوك العربيد من القردة : بدون لف و دوران ، أعطنا ما لديك في الآنية أخاله نبيذ معتّق بزهور النرجس هيا هيّا ذبحنا المغشوش يا " ولد "..
تاباكي تمددت حدقتيه حتى أدرك أن القردة لم تكف عن مراقبته و ها هي تهدده بإستجوابه أمام باقيرا أو أسد بن نمرود
قال بتهديد : قبل يومين كنتم أيها الجمع الحقير في غزوة لحقل العنب للبشر المجاورين لنا في القرية تلك ـ أشار برأسه ـ و لو حدث أن تسرّب خبر جرحي للوثيقة التي عقدها الملك مع الوزراء و ذلك بأن مواطن حقير يبحث عن رزقه دون أن تتشارك معه الدولة فيما حُظى به ، سأكون مخبراً أيضاً عن غزوتكم أيها العرابدة لحقل العنب و إعدادكم منه قنينات هائلة مغشوشة للمراهقين و المراهقات في مملكة آل نمرود .. !
الصعلوك بعد ضرب تاباكي مع ظهره : فخار يكسر بعضه ، دعوها فأنها منتنّة هيا بنا و الوعد المحكمة بعد العصر ..
تسرّب الخوف لقلب الجبان تاباكي بعد أن راحت القردة ضاحكة مستبشرة تراشق بعضها بعضها بقول : تاباكي " المهايطي " ، سعدون سعدون ...
قفز أحدى القردة على الشجرة ليقول : أولم يدرسك أستاذك الإحداثي ديكارت أيضاً قاعدة " أنا أهايط إذن أنا موجود "
لتضحك القردة كلها و تنسحب بنشوة إنتصار
و هاهو تاباكي يردد : ناس جهلة لا تقدّر قيمة العلماء الجهابذة الأفذاذ ..
رجع لعرينه كي يعاود محاولة الإكتشاف لتلك الآنية عله يخرج بإنجاز يؤهله لأن يلحقه أسد بن نمرود بهيئة كبار علماء الغابة
يقول بزهو : على الأقل أكون قمت بتجربة علمية ، أخالف النسخ المتكاثرة في هذه الهيئة و التي كلها بذات التخصص ..
أطلق ضحكة شريرة بعد أن سرح بخياله و هو مستشار للديوان الملكي و من أعضاء هيئة كبار العلماء و عضو في لجنة الإفتاء بما يخص شؤون المملكة الغابية ..
ليفاجأ بأن الآنية لا أثر لها ... فجع تماماً
و راح يبحث : كنت قد خبأتها هنا .. بل هنا ... لا هناك ..
لم يجد شيئاً و أخيراً اكتشف أن القردة الخاسئة قد توفقت في خططها المعهودة و التي تأخذ الرجال من حيث لا يتوقعون ...
ليهرول عابثاً مسرعاً عله يفتك بتلك الجموع من القردة فلن يفكّها من الموت شيئاً لا طوطم و لا الآنية التي سرقوها ...
قصد حي القرود ليفتح الباب بسرعته و عدم إستئذان لتصرخ القردة و يهيج الثور بعد أن فضح تاباكي أمرهما
سحبت القردة غطاؤها لتستر جسدها و هي تبكي و تُردد : استر علي سترك الرب
أطلق الثور زفرة هوائية تعبر عن غضبه ليطير على أثرها تاباكي للوارء و يسقط بعيداً عن متكأ المنكر حتى يقع بأيادي
أعضاء هيئة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بالغابة و هم فيل ملتحي يتهدج جسمه و سلحفاة ملتحية أيضاً تجر نفسها جرّا و يتقدمهم سناجبين هزيلي الجسم لا لهم إلاّ أن يطبقوا أوامر ـ حراس الفضيلة ـ
قبض السنجاب الأول بالضبع تاباكي ليسلمه للثاني الذي سحبه و زجّه بسيارتهمالأفعى المرقطة
بعد أن قالوا : وصلت الأمور إلى أن تغزو النساء بمنزالهن التي تسترهن و يقرن بها ، تبت يدك أيها العلماني و الليبرالي ..
السحلفاة بصوت مترهل : قلت لكم مراراً بلادنا هذه لن يفسدها إلاّ هؤلاء ممن جابوا الأراض شرقاً و غرباً حتى الصحاري و البحار قد وصلها هذا الضبع
الفيل بعد أنْ ضرب تاباكي على وجهه : " أنا من شفته حالق الشنب ، توقعت أنه داهية "
تاباكي بألم يئن : أنا .. أنا
" أخرس أيها الخارج من عرفنا و روح الغابة ، أنت كافر اصمت " هكذا قال الفيل و هزت السلحفاة رأسها بإيجاب ...
الأفعى بينها و بين نفسها تردد " متضامنة معك يا تاباكي أيها المتحرر و الغير خاضع لجبروت هذه الغابة ، و لكن " لا صار خصمك القاضي مين تقاضي " ...