يقول فلاح العماش
ماعـاد بـه أنـثـى بـعـد مامشيـتـي
تستاهل الشعر وخفوقـي ونبضـي ....!!
وش ذنـب قلبـي كـان فعـلاً نسيـتـي
وش ذنبي أبقى حيّ ويموت بعضـي ....!!
ويش أستفيد أن حـنّ قلبـك وجيتـي ...
كلك حزن !! مثل / أنتظاري ورفضي ....!!
لي أكثر من شهر وأنا أقرأ قصائد فلاح العماش .
ما يلفت انتباهي في نصوص العماش امتزاج الحلم بالحزن , وأن الأنثى تشكل له حياة نابضة بالحب , وهو يتعامل معها من زاوية جديرة بالتوقف , وهي أنها لا تغيب بصمت ولا تحضر بصمت , وكأنها ربة عشق جاءت لتبث الحياة في عروق شاعرها , الذي لم يبخل عليها بشعره وأحاسيسه .
لعل هذه الأبيات الثلاثة خير مثال على ما أقول , حيث أنه لم يشعر بطعم الحياة بعد فراق محبوبته , التي قال عنها " ما عاد به أنثى بعد ما مشيتي " , إن المتأمل لهذا الكلام قد يبدو للوهلة الأولى , أو لمن يستعجل الفهم أنه حكم على النساء بالفناء , لكن في الحقيقة أنه حكم على نفسه بالفناء , وذلك أنها هي الروح وما هو إلا جسد لهذه الروح , لأن فراقها أفلسه من مكونات بقائه كشاعر وكإنسان , وذلك أنها حينما رحلت أو غابت عنه رحل معها " الشعر والنبض والخفوق " أي أنه تجرد من كل مقومات الوجود له كإنسان عاشق وكشاعر يحلم بالحب .
هذا الإحساس المسكون بالأسى , دفعه لطرح هذا التساؤل في البيت الثاني , وهو تساؤل لا يحرص على تلمس الإجابة , بقدر ما يحرض النفس والفكر على اكتشاف مكامن الزلل في هذه العلاقة , هذا من ناحية , ومن ناحية أكثر عمقًا , وهي تلك التي تدور في مخزون شعوره من كون هذا الفراق استفز عواطفه التي جعلته يكتشف أن وصالها حياة وفراقها موت , وفي هذا الشعور منتهى الإحساس بالألم والتحسر .
إن هذا البيت هو بمثابة حجر الزاوية في هذه المقطوعة الشعرية البسيطة , لأن تعلق الشاعر بالحب واندفاعه له , جعله يطلق هذه الصرخة المزدوجة , والتي تدل على تشظي الشعور عنده فيما بعد " ما عاد به أنثى بعد ما مشيتي " حبث جعله يتفرد على كثير من الشعراء بهذا الموقف الإنساني الجدير بالتوقف , غير أن هذا الموقف الذي اتخذه الشاعر كشف لنا أزمة صراع نفسية يعانيها الشاعر أثناء ذلك الموقف , والذي اتضحت معالمعه مع البيت الثاني . لكن البيت الثالث الذي حضر لا على سبيل الحل , بل ليزيد هذا التأزم , إذ أنه جاء كإشالية اتخذت طريقين , كل طريق من الإمكان التسليم بسطوته على الجو النفسي للمقطوعة الشعرية هذه .
الإشكالية الأولى : تعود لاتخاذه موقفا معاكسا للموقف الأول , وكأنه آمن بنظرية التقاء أقصى اليمين بأقصى اليسار في نهاية هذه الأبيات
الإشكالية الثانية : تكمن في أنها امتداد لموقفه النفسي , الذي تنامى في مشاعره إلى أن وصل هذه النقطة التي بدأت مع الفراق , ثم في محاولة فلسفته لهذا الفراق , الأمر الذي جعله يستطعم الانتظار والرفض كمحصلة نهائية لهذا الشعور