كنا قبل تواجد الوقت و المكان نعيش في مكان مزدحم، ملتصقين ببعضنا البعض بعشوائية. اطلق أحدهم على ذلك الزمان بعصر علبة السردين، وقد كان محقا فهذة هي أجسادنا قد التصقت ببعضنا غير قادرين على الحركة. كما لو كنا محاصرين بعلبة سردين، أنه اسم وصفي لعصر لا يوصف.
لكي تنعم ببعض المتعة في ذلك العصر، تحتاج إلى الكثير من الحظ، فمشكلة عصر السردين التي شعر بها كل من يتذكر تلك الحياة أنه عشوائي التنظيم و لا تستطيع اختيار من يكون ملتصق بجسدك. اتذكر سخط بعض من يبعدون عني عدة أجساد و هم يلعنون مواقعهم. اتذكر أحدهم، وهو بالمناسبة أحد أصدقائي القلائل، الا انني لم اره يوما، وهذا أمر طبيعي في ذلك الزمان. كان يبعد عني مسافة جسدين الا أن كل واحد منا كان ملقي ظهره للاخر، لذا كنا نعرف بعض بنبرة أصواتنا، كانت نبرة الصوت كافيه للتعرف و لتاكيد هوياتنا، على ما يبدو لم يشعر البشر يوما الى الحاجة إلى أسماء، ما حاجتك للاسم اذا لم تستطع التحرك و مقابلة اناس جدد.
صديقي الذي لا اعرف اسمه استمر يندب حظه لمدة 500 عام قبل ان اساله ما الذي يزعجه، اذ أخبرني أن رأسه ملتصق في كتف أحدهم بينما نصفه السفلي كان مقسم بين ثلاثة أشخاص و لا يعلم ما حل بقدمه اليسرى هل ما زالت موجودة؟ ام هل لديه قدم يسرى؟ أنه ببساطة لا يعلم، وانا كذلك، أخبرني بأنني اول شخص أتحدث إليه.
لا يسمع في عصر علبة السردين الا اصوات الحديث بين أشخاص لا تعرفهم أو يعرفونك. كل من يستيقظ يصمت لأكثر من ألف عام قبل أن يبدأ بالحديث بعد التعرف السطحي عن ذلك الكون. لذا يمكن أن تتفهم غضب صديقي الذي لا اعرف اسمه، لأنه متيقن أن رأسه ملتصق بشخص لا يستطيع الحديث و لا يرى إلا وجهه وبعض الأجساد الملتصقة بجسده. يرى عينيه تتحرك دون أن ينطق بحرف، حاول أن يتفهم موقفه و يصبر على صمته 600 عام لعله يبدأ بالحديث بعدها، الان أنه ما زال صامتا ولهذا السبب يبدي استيائه بشكل مستمر.
لسبب ما لا تتكون الصداقات بناء على من يرمي به العبث ليلتصق بك، بل العكس. كل ما ابتعد الجسد عنك اكثر كلما كان فرصتك بتكوين الصداقة معه اكبر. انتقل لنا حديث أحد الفلاسفة بين الاجساد، انه تصرف طبيعي و وصفه القائل بالانساني ايضا، ولكن كان هنالك الكثير من اللغط حول ماذا كان يقصد بالانساني لكن لم نسأل عن المعنى، بالحقيقة لم نشعر بالفضول، اذا لم تخني الذاكرة كنت اعتقد انه من الترف السؤال عن معنى كلمة عندما لا تستطيع معرفة موقعك او محيطك ، وعندما كثرت أعداد من استيقظوا اختفى صوت من أطلقوا عليه بالفيلسوف ولما نعد نسمع صوته أو حديثه بعدها.
كلنا نستطيع التفريق بين الأصوات بدقة، هذا كل ما نستطيع عمله بعد أن نحدق طويلا بالجسد الذي التصق بنا. كان راسي ملتصق بشخص لم اتحدث معه ولم يحدثني الا مرة واحدة فقط، قد يبدو هذا غير طبيعيا لكنه ليس كذلك.
كان قد استيقظ قبلي ولا اعلم كم مضى عليه مستيقظا بوعيه، الا انه كان أحد اول الاصوات التي بدأت بالتعرف إليها. وعلى مسافة ليست ببعيدة، ربما أربعة أجساد أو اكثر، استيقظ يوما أحدهم ولم يمضى على وعيه اكثر من شهرين الا أنه بدأ بالصراخ الغير منتهي، وهي حالة شبة منتشرة و تعبيراً عن الهلع، لكن الناس تعودوا على أن لا يلقوا لهم بألا على الاطلاق، اعتدنا على أنهم بعد عدة سنوات بسيطة سوف يألفون السكون، كما قبلنا به من قبلهم. عندما بدأ في الصراخ و العويل، قلت في السنة الثالثة لصراخه: هل يجديك هذا الصراخ؟ قال حينها من التصق راسي بجسده بنبرة ضاحكة: "أخبرني بذلك."
ولم يزد عليها شيئا و لم اتحدث معه مرة اخرى.