كل مساء .. وحين تبيض السماء قمرها الموعود .. يتسلل الشوق إليّ كثعبان ضرير .. يجلدني بذكرياتنا يا سلمى .. حتى أشتم رائحتك في المكان .. أرى وجهك الحنون يعاتبني .. يلزمني بتدبر موعداً مع صاحب لئيم .. فوحدها أفكاره تُنسيني .. أو لعلي أبتكر قصة تؤلمني تفاصيلها .. وقد أخنق الساعات ليسيل دمها على الأرصفة .. إن الحب متى ودّعنا أورثنا الشوق .. أورثنا ألعاباً نارية تنفجر فينا كل الوقت .
البدايات تُغرينا والنهايات تؤلمنا .. كنا نحلي الشاي بحبات النجوم .. ونسكب فيه من نظراتنا لتفوح منها الضحكات والنكات .. كنتُ أغتاظ من تمام توافقنا .. فخلط الماء بالماء رتابة .. وأجمل منه الزيت والماء .
كنتُ أطوي الأيام بُعداً عنكِ .. أكمن تحت درج الوقت لأري حين ألتقيكِ ..ثرثرة القمر وصراخ المطر وانكسار النخل وحكاية الشعر .. قد اجتمعوا في روضة عينيك .. لأزهو بحبك الكبير وهو يتطوس في صدري .. كنتُ ألهو بالبُعد عنكِ .. فعاد البعد يلهو بي .
قالوا الحب مفسدة العمر .. فالنوافذ تتعكز على ضوء مكسور .. والأبواب تهرب متى هبت عاصفة الحنين .. والطرقات تُضيع شجرها وتشتهي العنوان .. لِمَ اقتربنا لهذا الحد يا سلمى ؟ فكنا العطر وأريجه .. والزهر ورحيقه .. لِمَ كنا الموعد وزمانه .. والطفل وجماله ؟ لِمَ التقينا ؟ .. لنبحث بعدها عن وجوهنا المختبئة منا .. لنعلِّم مناديلنا ملوحة بكائنا .. لنزرع الشوك في حنجرة القصيدة .. لنصحو من نومنا بلا غد .. لنكتب عذاباتنا على شطآن الليالي .. حتى إذا ذ ُكرالحبيب .. محوناها .
ألم أوصيك بالنسيان ؟ أن تلملمي تفاصيلنا الصغيرة وتلقمينها فم الريح .. أن تجففي خطواتك من شوارع مشيناها .. وتتواري كلص محترف عن أحلامٍ عشقناها .. قلتُ لكِ مراراً .. ذاكرتنا أكبر مصائبنا .. فتعلمي أن تعدي أصابعك خطأ حين تمر قصتنا ببالك .. أن تجعلي الليل قطعة قماش بالية تقصي منها مشاريع خائبة .. أن تدسي النهار تحت أعمال زائفة .. أن تثرثري كثيراً مع صويحباتك .. فنحن أحياناً نثرثر يا سلمى .. لا لنبوح بما نحب .. بل لُنخرس داخلنا مالا نحب .
نخرني الحب طويلاً .. رماني رجلاً يرى في المطر انتحار غيمة .. هروب جماعي من وطن عظيم .. قطرات خنثى تحب السقوط في الحفر .. رجلاً يسرق حفنة من الشمس ليذيبها في كأس المساء .. يتسلى بتفتيت الهواء بين أسراب الشجر .. يُصلح غترته عند أبواب المشانق .. الحب يا سلمى يُغمض عيوننا عن الحياة .. عن نجوم تمر وتنسانا .. حتى إذا فتحناها .. وجدنا العمر تركنا ومضى .