كنت صغيرة جدا حينما كانت تتردد كل صباح في أذني تلك العبارة وبتلقائية كنت أرددها وأنا أمام ذلك المرفرف عاليا .. و أكاد لا أصل إلى الحبل الذي يشده للأرض ويمنعه عن التحليق ..
كنت لا أعي تماما مالذي تعنيه تلك العبارات ولا أفهم لماذا بكت أمي ذلك اليوم وتسمرت أمام شاشة التلفزيون ولماذا غضب أبي وتوقف المزاح بين اخوتي .. وكأن في البيت غمامة سوداء .. كنت صغيرة جدا ولم أعي كل ما يحدث حولي ولكن كل ذلك زُرع في ذهني كشجرة .. علمت تماما فيما بعد أي ثمر ستحمل ..
علمت الآن أن تلك العبارة التي كنا نرددها صغارا كانت محاولة لزرع وحدة الامة العربية بداخلنا .. وعلمت أن أمي بكت وأبي غضب واخوتي توقفوا عن اللعب بسبب غزو الكويت ..
وعلمت لماذا كان أبي يتابع أولئك المتحلقين حول طاولة عجيبة الشكل وعلى محياه استياء لم ألمحه على وجهه حتى عندما كنت أنا أُغضبه !!
" أمة عربية واحدة " .. كلمات تُزرع في عقولنا صغارا ونرددها بدون وعي لنفقد الاحساس بها عندما نكبر ونظل نرددها بلا وعي ..
" أمة عربية واحدة " .. وكل جزء من هذه " الواحدة " متفرق مشتت هائم على وجهه ...
" أمة عربية واحدة " .. و جسد واحد إذا اشتكى منه عضو يتداعى له كامل الجسد بالسهر والحمى
" أمة عربية واحدة " ولغة واحدة و ليس يفهم أحدنا الآخر ..
" أمة عربية واحدة " وكل يغني على ليلاه فآخر يرفل يثوب الاستقرار وكثيرون يعانون الموت الجماعي جوعا وقهرا وظلما وتشريدا وقتلا وقتلا وقتلا !!
" امة عربية واحدة " وتاريخ مشترك يجمع بطولات عربية مشتركة .. و صراعات تلك الواحدة لأي جسد كان ينتمي ذلك التاريخ !
" أمة عربية واحدة " وأهداف ليست واحدة و غايات ليست واحدة تبرر الوسائل الـ ليست واحدة !
" أمة عربية واحدة " كشجرة .. كلما انتزعت منها غصنا .. فرحت الأغصان الأخرى بحصولها على غذاءه ومائه .. ومائه ومائه !
أمة عربية واحدة .... وصبرا وشاتيلا وقانا ودير ياسين والقدس وحديثة في العراق وجنوب لبنان .. كل هذه كانت أيضا مجازر واحدة !
أمة عربية واحدة وعدوّ واحد يقطع اليد الأولى لذلك الجسد ويصافح يده الأخرى !
...
وهكذا أصبح الرقم واحد في مخيلتي مكررا .. مكررا .. مكرر !