قنابلُ الثقوبِ السوداءِ – أبواقُ إسرافيلِ خيال علمي
الجزء الأول
قلبٌ ذو شطريْن...
جلسَ يعقوبُ إسحاق صباحًا بجانبِ الحاخامِ الأعظمِ في أكبر معبدٍ يهوديّ على أرض إسرائيل ، وكان مرتديًا ثوباً أسود وقبعة سوداء ، وحول عنقه لفافة بيضاء طويلة.
جلسَ ليؤدّي صلاته ، وفي كلّ مرّة يقولُ له الحاخام اقرأ صلاتك بنفسك ، ويردُّ عليه يعقوب في كلِّ مرّةِ .. بل أودُّ أن أسمعها مِن فمكَ سيدي الحاخام الأعظم.
فلم يجد الحاخام بدّاً من تلبية رغبته.
فيقول له ..ردّدْ ورائي يا وزير إسرائيل ، فيعترض عليه ويقولُ أنا يعقوب فقط .
فيقول له ..ردّدْ ورائي يا يعقوب فتلا مِنَ التوراةِ ..
«اسمعْ يا إسرائيل الرّب إلهنا ربٌّ واحدٌ، فتحبّ الرّب إلهك من كلِّ قلبك، ومِنْ كلِّ نفسك ومِن كلِّ قوتك.ولتكنْ هذه الكلمات التي أوصيك بها اليوم على قلبك.وقصّها على أولادك وتكلّمْ بها حين تجلس في بيتك حين تمشي في الطريق، وحين تنام وحين تقوم ، واربطها علامة على يدك ، ولتكن عصائب بين عينيك ، واكتبها على قوائم أبواب بيتك وعلى أبوابك»
يقولها فقرة فقرة ويردّد كذلك خلفه فقرة فقرة كأنّه يلقّنه ، وبعد الانتهاء يصرُّ يعقوبُ على تلثيم رأس الحاخام .
بعدها يتناول يعقوب لفائف التوراة وفيها جميع الأسفار الخمسة يقرأ بعضًا منها باللغة العبريّة كما هي مكتوبة ، ثُمَّ يرفعها بيده ، وبعد القراءة تُطوى اللفائف وتُحفظ في كسائها ثمّ تُعاد إلى مكانها.
وبمجرد أن تُطوى اللفائف ينزوي في المعبد ليحدّثَ نفسه كالمعتاد.
وكان في هذا اليوم بالغ الأسى والحزن على حال اليهود الذي لا يستقرّ لهم مقام ، فالرئيس الأمريكيّ لمْ يؤازرهم بقوّة كسابقيه من الرؤساء ، وميوعة هذه المؤازرة
جعلته يفكر كثيرًا حتى قاده تفكيره إلى الماضي السحيق ، ماضي بني إسرائيل مع فرعون مصر.
فتذكّر محاولة فرعون مصر لاستئصال شأفتهم ، فقال لنفسه الحمد لله أن أرسل إلينا ربنُا موسى فأنقذنا منه.
كما تذكّر التيه ، تيه أربعين سنة في الأرض ، ولقد توّهته هذه الذكرى فشعر بأنّه لقيط رغم أنه وزير في دولة إسرائيل.
وتذكّرَ بختنصر بابل وكيف تعامل مع اليهود على أرض فلسطين ، فقد ..اضطهدهم ، استعبدهم ، قتلهم ، مزّق توراتهم ، خرّب بيت المقدس ..ثُمّ قال بازدراء غاضب..ألَا لعنة الله على العراق .
ثُمّ أمعن في الذكرى الأليمة لحال وطنه عندما أحرقهم هتلر، وفتكت هذه الذكرى بقلبه وكأنّ هناك مَن قذفه بشهب النار ، وبالفعل عند هذه الذكرى ارتفعتْ درجة حرارة جسده وبدا ذلك من خلال العرق الذي ألجمه تمامًا حتّى أنّه بلّل ثيابه ، ثمّ قال في نفسه متبسمًا..
ولولا ستر الله لاستأصلهم من جذورهم ولكنّ الله أراد بقاءهم لأنّهم أبناؤه وأحباؤه ، فقادهم ذكاؤهم ألّا يتجمعوا في أرضٍ واحدةٍ لإنّ العالم كلّه للأسف يتربّص بهم ويكرههم.
وظلّوا مذلولين للرومان حتى جاء الغزو الإسلاميّ وأخذَ منهم الجزية ...وبسخرية قال ..يأخذ منهم بدلًا أنْ يدفع لهم!.
وعاشوا مشتتين ، في أمريكا ودول أوروبا.
وما إن انتهى من هذه العبارة حتى ارتطمتْ أسنانه فسُمع صكيكها وقال ..ودول أوربا المسيحيّة التي ترى أنّ التوارة ألدُّ أعدائها ، اضطهدوا واستعبدوا معتنقيها طوال تاريخهم العتيق حتى سنة ثمان وأربعين وتسعمائة وألف.
فخفَّ الحِملَ عليهم ، وردّد على مسامعه قائلاً ..ولابدّ أن يخفّ الحمل نهائيًا ، لابدّ أن تركع أوروبا لدولة إسرائيل.
ثُمّ اتّجه ببصره إلى أعلى باكيًا وقال ..
أنحن أبناء الله وأحباؤه فعلاً !.
أنحن أسياد العالم فعلاً !
نحن عشنا عبر تاريخنا كلّه أراذل العالم .فلابدّ من الخلاص من هذه المسكنة والذّلّة ، لابدّ أن نتقلّد السيادة على العالم كلّه بما فيهم أمريكا.
وظلّ شاردًا حتى جاءه الحاخام الأعظم فاستنبهه وقال له ..كنتُ أودّ أن أراك ولو مرّة واحدة مبتسمًا ، دائمًا أرى وجهك كالحًا غضوبًا ، وأحيانًا حزينًا شاحبًا ، لا تخشَ على اليهود فهم أبناء الله وأحبائه فترفّق بنفسك ، ثمّ تركه مستعبرًا ودعا له وبارك .
رنَّ هاتفُه بعد مغادرة الحاخام مباشرة ، إنّه رئيس المخابرات المخلِص يخبره بإجماع أصحاب القرار الإسرائيليِّ توليته رئاسة الوزراء.
بعد أيام ..
جاء خبر تولية يعقوب إسحاق على اتحاد المقاومة الفلسطينيّة كالصاعقة وخاصة المعسكرين في الأنفاق .
وبتولية يعقوب الذي يصمونه قادة اتحاد المقاومة بأنّه أكثر رؤساء إسرائيل دمويّة على مدار تاريخ الاستعمار الإسرائيلي للمنطقة ، لم تجد المقاومة بُدّا من إثارة الأوضاع حتى الغليان ،،قالوا..لابدّ من الضرب في كلِّ أنحاء المستوطنات لكي تعلم إسرائيل أنّ اتحاد المقاومة لا يخاف من أحد حتى ولو كان مثل هذا السفاح الدمويّ يعقوب إسحاق.
وصدر الأمر من نفق الوادي الجديد بمصر بتنفيذ سلسلة العمليات القتاليّة .
وأيدهم على فعل ذلك مؤيد أصيل المصريّ إذ قال لقائد النفق الرئيس بالوادي الجديد والملقّب بعبد الشهيد..لابدّ أن يضرب الاتحاد في كلّ أنحاء المستوطنات ليعرفوا أنّنا لا نخاف.وعلى ذلك ..
تحرّكتْ كلُّ القوى في آن واحد ، تسللتْ عدة مجموعات في أماكن متفرّقة من المستوطنات الإسرائيليّة وقامتْ بتفجير عدد منها أبرزها تل أبيب وقطاع غزة والقدس المحتلة ، سقط على إثرها مئات القتلى وآلاف الجرحى في صفوف الإسرائيليين ، وكان منهم عشرات الأطفال الرُّضّع وكذلك عشرات النساء.
كما تقدّمَ العشرات من المتطوّعين الفلسطينيّين وارتدوا الأحزمة الناسفة واقتحموا هذه المستوطنات وأحدثوا فيها خسائر بشريّة وماديّة فادحة.
ولقد شنّتْ أيضًا المقاومة هجومًا متوسعًا بقذائف الهاون والصواريخ على نفس المستوطنات التي تفجّرتْ في العمليات السابقة وسقط من نتاجها أيضًا أكثر من ألفي قتيل إسرائيليّ وآلاف الجرحى.
وترامتْ الجثث الإسرائيليّة تنزف العار قبل الدماء في عيون قادتهم ، جثث جنود وأطفال ونساء وعجائز.
وقد ردّ يعقوب فورًا على حركات المقاومة الأخيرة بأنْ ذبّحَ أبناءَ الفلسطينييّن وطارد كلَّ مَن عليها مِن الرجال والشباب حتى أجلاهم مِن على الأرض فاختبأوا في الأنفاق ، فحاول مطاردتهم بيد أن تكنولوجيا أجهزة البحث عن الأنفاق إزاء تكنولوجيا التعمية عليها منَ الطّرف الفلسطينيِّ ضعيفة نسبيًا ، فلمْ يستطعِ النيل منهم وخاصة أنّ هناك أنفاقًا محصّنة تحصينًا كبيرًا ، ومنذ هذه اللحظة تبدأ مرحلة جديدة مِنَ الصراع الإسرائيلي الفلسطينىِّ مدتها ستة وعشرون عامًا تقريبًا كما ستبينه أحداث الرواية.
ومِن أجل الوصول إليهم رفعَ تظلّمًُا إلى الأمم المتحدة بشأن فندق سونستا طابا بمصر ، واستشهدَ في مظلمته أنَّ إسرائيل هي مَن أنشاته ، وليس هذا فحسب بل أنشأت أيضًا قرية رافي نلسون ، وكان ردُّ الرئيس المصريّ هو قبول تظلمه نظير مبلغ ضخم ، أرسله إلى صندوق النقد ليسدّد بعض ديون دولته بعد أخذ قدرٍ منه له ولبطانته.
وبذا أصبح ليعقوب قاعدة تجسس عريضة على حركة المقاومة في سيناء كلّها فضلاً عن تجسسه على مصر.
ثُمّ أمر بتطوير تكنولوجيا البحث عن هذه الأنفاق اللعينة.
كما دعا الشعب اليهوديّ كلَّه إلى فلسطين لتوسيع الاستيطان ، ولكي يتمّ التهويد على أكمل وجه أمضى معاهدة رباعيّة لإخلاء قطاع غزة بالخصوص من الشعب الفلسطينيِّ ، وقد وافق عليها الرئيس المصريّ بتأييد الرئيس الأمريكيّ لها ومنظمة التحرير الفلسطينيّة نظير بعض المال أيضًا ، وتمّ توثقيها في الأمم المتحدة.
يتبع يتبع تبع
الى اللقاء مع الجزء الثاني
بقلمي ابراهيم امين مؤمن