.
إِنَارة خَفيفة ..
"محمد القبانچي"
سيد المقام العراقي
منذ طفولته يستمع إلى الأرقام والأسعار في التجارة والقبانة. وفي نفس الوقت يستمع إلى الألحان والأغاني في عالم الفن والطرب، أخذ أصول المقام من والده الذي كان يهوى المقام ويقرأه لنفسه وللمقربين منه، حرص على أن يرافقه في الموالد، تطورت هوايته فبدأ يحفظ ويردد. ثم عشق الشعر فحفظ منه الكثير ، قادته هوايته إلى الأماكن الشعبية والمقاهي الكبيرة التي كان يغني فيها كبار الفنانين وفي هذه الأماكن استمع إلى كل ألوان الغناء السائد وقتئذ في بغداد ...
[ مقهى الأستاذ قدوري العيشة ]
كتب الأستاذ ثامر العامري في( شخصيات عراقية) :
... في مقهى قدوري العيشة طُلبَ ذات يوم من الشاب محمد القبانجي أن يغني شيئا مما حفظه من المقامات وكان السائل هو المطرب سيد ولي و قال بالحرف الواحد:" يا محمد أنت لك خمس سنوات متابعة في هذه المقهى ماذا تعرف عن المقام نريد أن نسمعك". فلبى الطلب وغنى، و بعد الإنتهاء قيل له أنك احتفظت بالجوهر و لكن لماذا لم تتبع طريقتنا في الأداء؟ ، فرد عليهم قدوري العيشة "أنه أحسن منا ، دعوه يغني حسب طريقته الجديدة ، وجميل أن يحتفظ بجوهر الغناء".
وعن هذه التساؤلات يعقب الأستاذ محمد القبانجي بقوله :" الحقيقة أنا لم أرفض طريقتهم في الغناء لكنني لم أتقيد بهم و كنت ولم أزل مقيماً للمطربين الذين ساروا على الطريقة القديمة للمقام البغدادي... ".
_ في 1925م وصلت إلى بغداد بعثة من شركة (هزماستر فويس) البريطانيه ، كان هدفها تسجيل بعض أغاني مشاهير الفنانين في العراق ، وسُجلت له أكبر عدد من الأسطوانات، رغم عدم دراسته للموسيقى والغناء في معهد متخصص ..
_ في 1928م سافر إلى برلين لتسجيل أسطوانات للمقامات والبستات العراقيه ،اصطحب معه جوقا موسيقيا حديثا بدل الجالغي البغدادي التقليدي، رغبةً منه في توسع التصرف في الأداء، وغيّر مظهر أفراد الجالغي من حيث لباسهم التقليدي لجعله مستساغاً أكثر لدى مضيفيه الأوروبيين، هذه التجديدات عرضته للإنتقاد ..
مقام حجاز كار كرد يقول فيه :
جربتهم ما وفوا بالغانمات معاي
ومعاي خانو على العهد التخبره معاي
لهم لسن كالعقارب لاسعات معاي
بابه ليش؟عيني ليش؟ داده ليش؟
منْ لسعِهنْ ما يطيب الجرح لو عَظن
عاشرتهم ما شفت واحد طلع عالظن
بابه ليش؟عيني ليش؟ داده ليش؟
مكرود يلي تريد من المضل عالظن
وبمكرهم ذوبوا شحم الجلى وأمعاي
_ في برلين، ورده خبر كاذب عن وفاة والده، مما أثار لديه مشاعر حزينه جعلته يلوم نفسه كونه بعيداً عنه.. أستمر في التسجيل وهنا ولد مقام اللامي فقد كان يؤدي أبيات من (الأبوذية) وهي شكل من أشكال الغناء مثل العتابة ومن مقام البيات وأثناء الغناء خرج القبانجي عن البيات، وبعد إكمال التسجيل سألوه : " مالذي غنيته" قال: " أبوذية " قالوا: " غنيته بنغم مختلف يا أستاذ" وعندما أعادوا التسجيل ودونوا النوته الموسيقيه وجدوا مقاماً جديداً اسماه مقام اللامي ، وهذا المقام في الحقيقه مقام قديم لكنه كان متروكاً ولا يستخدمة المغنين .. ويعود الفضل الى القبنجي في إظهاره وتنشيطه ..
قال:
علام الدهر شتتنا وطرنا
عكب ذاك الطرب بالهم وطرنا
الف ياحيف ما كضينه وطرنا
ليالي اللي مضت متعود لية
_ وضع المقام في أرقى المستويات بين فنون الغناء واستقبل بالتقدير والإعجاب في الوطن العربي. كان أول من أدخل النهاوند في البيات، اشتهر له مقامان تأثر بهما الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب وهما : مقام اللامي الذي تأثر به في تلحين أغنيته (ياللي زرعتو البرتقال)، وتأثره أيضاً بمقام حجاز غريب الذي لحن منه رائعته (جبل التوباد) .
لعل أبلغ من وصفه :الأديب زكي مبارك
في كتابه ( ليلى المريضه في العراق )
" حضرت سهرة اقامها السيد عبد الامير فوق سطح فندق العالم العربي على نهر دجله غنى فيها القبنجي مقامات عراقيه حتى أهاج ما في دجله من سمكات".
يُتبع ..