حلمٌ تذكَّر أنه مات! - منتديات أبعاد أدبية
 
معرفات التواصل
آخر المشاركات
حبيت أقول....... (الكاتـب : سليمان عباس - آخر مشاركة : عُمق - مشاركات : 6127 - )           »          حلمٌ تذكَّر أنه مات! (الكاتـب : جهاد غريب - مشاركات : 2 - )           »          حين تتنفس السماء من صدرك! (الكاتـب : جهاد غريب - مشاركات : 0 - )           »          شَارِع فِضّي .. (الكاتـب : عَلاَمَ - آخر مشاركة : رشا عرابي - مشاركات : 1 - )           »          سوء أدب!.. ميكروفونك صامت‼️ (الكاتـب : رشا عرابي - مشاركات : 51 - )           »          اوراق مبعثرة!!! (الكاتـب : محمد علي الثوعي - مشاركات : 599 - )           »          أطيافُ الحبرِ والغياب! (الكاتـب : جهاد غريب - مشاركات : 0 - )           »          مُعْتَكَفْ .. (الكاتـب : نوف الناصر - مشاركات : 246 - )           »          غُصْن بُرغَندِيّ _ مُجرّد رَأي (الكاتـب : عَلاَمَ - مشاركات : 27 - )           »          أَعـتَــرِف .! (الكاتـب : سُرَى - آخر مشاركة : يوسف الذيابي - مشاركات : 59 - )


العودة   منتديات أبعاد أدبية > المنتديات الأدبية > أبعاد المقال

أبعاد المقال لِكُلّ مَقَالٍ مَقَامٌ وَ حِوَارْ .

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم يوم أمس, 03:58 PM   #1
جهاد غريب
( شاعر )

افتراضي حلمٌ تذكَّر أنه مات!


حلمٌ تذكَّر أنه مات!

شاهدتُ الساعةَ تذوبُ على جدارِ الغرفة، كشمعٍ تحت لهيبِ نسيانٍ لا يرحم.
عقاربُها، فجأةً، لم تعد تقيسُ الزمن، بل تحوَّلت إلى أسماكٍ صغيرةٍ فضّية، تسبحُ في بحرٍ من ضوءِ قمرٍ متسرّبٍ من شقٍّ في الستائر.
ذلك الضوءُ كان شريانَ العالمِ الوحيدِ الباقي.

ثم... فتحتُ بابَ الخزانة.
لم تكن ثيابي أو ذكرياتي المعلَّقة تنتظرني، بل كانت الصحراءُ: رمالٌ ذهبيةٌ بلا أفق، تمتدُّ إلى ما لا نهايةٍ، تحت سماءٍ أرجوانيةٍ صامتة.

ومن بين طيّاتِ معطفي القديم، الذي تحوَّل إلى كثبانٍ متماوجة، حدَّقتْ بي عينانِ عميقتان، حزينتان، تنتميان إلى جملةٍ وحيدة.
نظرةٌ سألتني، دون كلمات: "أأنتَ ضائعٌ مثلي؟".
في تلك اللحظة، لم أعد أعرف أين ينتهي البيتُ، وأين يبدأ الوجودُ كلُّه في التفتت.

تلك الوحدةُ الصحراوية، التي تسلّلت من خزانةِ غرفتي، علّمتني أن الفقدان ليس مكانًا نذهب إليه، بل هو شيءٌ نحمله في جيوبنا.
وفي جيبي، يا لِلمفارقةِ القاسية، حبّةُ القمرِ التي سقطتْ تلك الليلة، ما زالت تتلألأ بخجل.

هي ليست مجرّد حصاةٍ مضيئة، بل هي قبلةٌ متجمّدةٌ من جنّيّةٍ اختفتْ مع الفجر.
تُذكّرني بوعدها الذي نسيتُه تحت وطأةِ الواقع: أجنحتُها كانت من زجاجٍ رقيقٍ يتكسّرُ بالنظرِ الشديد.
وعدٌ بجِنانٍ لا تُرى إلا بعينِ الحالمينَ اليقظين.
لكن... كيف أكون يقظًا وأنا أسير؟

ظلّي، في الطريقِ إلى البيت، كان يتكلّمُ معي.
ليس همسًا، بل حديثًا واضحًا، يُحذّرني من نقيقِ الضفادعِ الحارسةِ تحت الجسرِ الحجريِّ العتيق، ثم انخفض صوته، فهَمَس:
"إنهنَّ ينتظرنَ خطواتِ اليائسينَ ليبعثنَ الضبابَ الذي يُضلِّلُ العائدينَ إلى ديارهم".

كنتُ أضحكُ يومًا من صبري على الجدارِ الذي أضربُ رأسي به، معتقدًا أنه معلّمي في التحمّل.
لكنّ ضرباتي المتكرّرة كشفتْ حقيقته: ليس سوى حجرٍ بليدٍ، يختبرُ متانةَ جمجمتي، منتظرًا صوتَ التشظّي.

قالوا إنّ الكفاحَ جميل، فكافحتُ لأربعِ ساعاتٍ كاملة، عرقي يتساقطُ كالندى المسموم، لأفتحَ علبةَ المربى العنيدة.
في تلك اللحظة، بين الملعقةِ الهشّة والزجاجِ المقاوم، أدركتُ أن الجمالَ نسبيٌّ حقًّا، وأنّ المربى، هذه الكتلةَ الحلوةَ اللزجة، قد تكونُ أكثر عنادًا وإصرارًا من أيِّ فيلسوفٍ يونانيٍّ تأمّلَ أسرارَ الكون، بينما كان العالمُ يُغلقُ عليه أبوابَه.

ذلك العنادُ اليوميّ، ذاك الكفاحُ من أجلِ فتحِ ما هو مُغلقٌ علينا، ربما كان بروفةً صغيرةً للسقوطِ الأكبر.
السقوطُ ليس حدثًا مفاجئًا، بل هو تراكمٌ لعلبِ مربى لم تُفتح، وجدرانٍ صدمنا رؤوسنا بها حتى تصدّعت.

وبينما كنتُ أسقطُ من الطابقِ العاشر، في تلك الهاويةِ الطويلة نحو اليقينِ الوحيد، لم تكن أفكاري مع الموت، بل لاحظتُ، بتفصيلٍ مذهل، أن وردةَ جارتي في شرفةِ الطابقِ الثالث – زهرةَ الياسمينِ البيضاءَ، التي كانت تبعثُ عطرَها كلّ مساء – تبدو ذابلة، أوراقُها تتدلّى كأيادٍ صغيرةٍ متعبة.
خطر ببالي: "تحتاجُ إلى ريّ".

غريبٌ حقًّا كيف تتجلّى التفاصيلُ الصغيرة، الجميلةُ والعابرة، في قلبِ لحظاتِ السقوطِ الكبير، وكأنّ الروحَ تودُّ أن تحملَ معها آخرَ صورةٍ عن الحياةِ التي ستتركُها.
وغريبٌ أكثر أن يستمرَّ العالمُ في دورانه، بلا اكتراث.

حتى في جنازتي... لم يتغيّر شيءٌ جوهريّ!
الزهورُ المُرسَلةُ للتعزيةِ – تلك الرموزُ التقليديةُ للحزنِ والمواساة – تأخّرت.
لماذا؟
لأنّها كانت تُراقصُ أوراقَها في حفلةِ افتتاحِ متجرٍ جديدٍ للزهور، بينما كانت تهمسُ لأزهارِ الرفوفِ البيضاء هناك:
"لا تتعجّلنَّ الذبولَ... فالموتى ينتظروننا صامتين!"

ضحكتُ من قلبي، لو كان لقلبي صوتٌ في تلك اللحظة.
الموتُ، هذا الحدثُ المصيريّ، الذي يُفترض أن يهزّ الكون، ليس سببًا كافيًا – على ما يبدو – لإفسادِ موسمِ البيعِ الرابح، أو تعطيلِ احتفالاتِ الورودِ المبهجة!
لقد صارَ الموتُ مجرّدَ تعليقٍ عابر، على هامشِ سجلِّ المعاملاتِ اليومية.

ولكنّ الهاويةَ لم تكن نهايةً، بل كانت بابًا.
بابًا إلى بحرٍ من ضوءٍ أدفأ من شمس، وألطف من قمر.
لا تذوبُ فيه الساعات، بل يسبحُ الزمنُ فيه كأسماكٍ من ذهبٍ سائل.

هناك، بين الأمواجِ المتلألئة، وجدتُ الجنّيّةَ ذاتَ الأجنحةِ الزجاجيّة.
لم تكن تنتظرُني، بل كانت ترقصُ مع عقاربِ الساعةِ السمكة... في رقصةٍ كونيةٍ صامتة.
أجنحتها لم تتكسّر، بل انعكستْ عليها ألوانُ المجرّاتِ البعيدة، وحولنا، لم تكن صحراء، بل حدائقُ نورانيّة، تتفتّحُ فيها زهورٌ تُغنّي أناشيدَ الخلود.

شجرةٌ عملاقةٌ من أضواءٍ متغيّرة، أغصانُها كواكبُ معلّقةٌ بخيوطٍ من شعرِ الملائكة، كانت تُلقي بظلالٍ من أغنياتٍ قديمة على مياهِ النور.
وبدلَ نقيقِ الضفادعِ الحارسة، سمعتُ همسَ النجوم، وهي تروي حكاياتٍ عن عشّاقٍ عبَروا جسورَ الضباب، وعادوا حاملين... زجاجاتٍ صغيرةً مملوءةً بأضواءِ الشموع، التي أطفأها اليأسُ على الأرض.

في هذا الفضاءِ، الذي لا يحملُ جدرانًا، ولا علبَ مربى عنيدة، أدركتُ أن الوعدَ كان حقيقيًّا.
لم أعد أسقط، بل كنتُ أطيرُ مع أسماكِ الزمنِ الذهبيّة، نحو أفقٍ لا يحملُ طابقًا عاشرًا، ولا جنازاتٍ متأخّرة...
فقط أبديةٌ من ضوءٍ رحيم، يضمُّ كلّ الجمالِ الذي ظننّاهُ ضائعًا.

جهاد غريب
يوليو 2025

 

جهاد غريب متصل الآن   رد مع اقتباس
قديم اليوم, 07:07 AM   #2
رشا عرابي

( شاعرة وكاتبة )
نائب إشراف عام

افتراضي


شتاتُ أفكارٍ تشبثّ بترتيبٍ عجيب اللّثغة..!
تلك الفوضى في طرح المشاهد مُبهرة
ولادةُ الفكرة من عمقٍ آسرٍ مدهشة حدّ العجب
شعرت بالسقوط والتقطتُ أنفاسي
ثمّ إنني شعرتُ بـ خفّة التحليق....!

تصفيقٌ حارٌّ....
سردُك مدهشٌ حدّ العجب~

 

التوقيع

بالشّعرِ أجدُلُ ماءَ عيني بـ البُكا
خيطٌ يَتوهُ، ولستُ أُدرِكُ أوّلَهْ!

في الشّعرِ أغسِلُني بِـ ماءٍ مالِحٍ
أقتاتُ حرفاً، ما سَمِعتُ تَوسُّلَهْ !!


نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

رشا عرابي متصل الآن   رد مع اقتباس
قديم اليوم, 01:22 PM   #3
جهاد غريب
( شاعر )

الصورة الرمزية جهاد غريب

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 5920

جهاد غريب لديها سمعة وراء السمعةجهاد غريب لديها سمعة وراء السمعةجهاد غريب لديها سمعة وراء السمعةجهاد غريب لديها سمعة وراء السمعةجهاد غريب لديها سمعة وراء السمعةجهاد غريب لديها سمعة وراء السمعةجهاد غريب لديها سمعة وراء السمعةجهاد غريب لديها سمعة وراء السمعةجهاد غريب لديها سمعة وراء السمعةجهاد غريب لديها سمعة وراء السمعةجهاد غريب لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي تمنح للنص أجنحة...


يا رشا،

تعليقكِ أتى كنافذةٍ انفتحت فجأةً في جدار النص،
وأدخلت إليه ضوءًا هادئًا…
ضوءٌ يُشبه دهشتكِ، تلك التي لا تكتفي بالإعجاب، بل تلتقط السقوط وتحوّله إلى طيران.


***

حين تقولين:
"شتاتُ أفكارٍ تشبثّ بترتيبٍ... عجيب اللثغة!"
كأنكِ تمسكين بلحظة الولادة المجنونة للنص،
تلك اللحظة التي لا نعرف فيها:
هل نحن نكتب، أم نحلم، أم نُفرغ من داخلنا شيئًا ظلّ يشتعل تحت الكلمات؟
جملتكِ الأولى كانت كمرآة… تعكس المعنى، وتكشف الطريق.


***

أما هذه:
"شعرت بالسقوط والتقطتُ أنفاسي، ثمّ إنني شعرتُ بخفّة التحليق...!"
فقد جاءت كخلاصة نبض النصّ كلّه،
لأن كلّ ما كتبته لم يكن سوى محاولة للتأرجح بين الهبوط والنجاة،
بين اللحظة التي تسحق الروح، وتلك التي تُربّت عليها بخفّةِ نسمةٍ جاءت من السماء.


***

تعليقكِ ليس مجرد تصفيق،
بل هو يدٌ رقيقةٌ تمسح جبينَ الحرف بعد عناء الولادة، وتهمس له: "أنتَ بخير".
شكرًا لكِ لأنكِ لا تكتفين بالقراءة، بل تُعيدين ترتيب الارتباك إلى دهشة،
والدهشة إلى طمأنينة.

لكِ امتناني، يا من تكتبين ملاحظاتكِ وكأنكِ تُربّين الفوضى بحنان، حتى تصيرَ نظامًا جميلاً لا يُقلّد.
دمتِ قارئةً تمنح للنص أجنحةً كان يجهل أنه يملكها.

 

جهاد غريب متصل الآن   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:25 PM

الآراء المنشورة في هذا المنتدى لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الإدارة

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.