"16"
في الصباح الثاني جلست إلى مكتبي .. منهكة .. مرهقة .. وجه المسؤول ينبهني إلى لحظة عداء مستنفرة ..
- تأخرت ..؟
- إزدحام الطريق ..
- غائبة منذ يومين .. واليوم الذي تحضرين فيه .. متأخرة ..!!
- أعتذر .. ظروف ..
- العمل لا يفهم الظروف ..
- ماذا أفعل ..؟
- ظروفنا تجبرنا على الخصم ..
- تريد خصم اليومين ..؟
- وتأخير اليوم الثالث ..!!
أنظر إليه بحقد .. كأنني أبحث عن ظله المتوحش .. لكنه كان صامتا ً .. مختفيا ً .. في أعماقي فكرت ..
- هل يكون هو الرجل الذي فقد ظله ..؟
لكنه حينما نهض من مكانه .. انسحب الظل في ذيله .. كان ظلا ً عاقلا ً .. مهذبا ً ..!!
ألحت عليّ فكرة ..
- هذا الرجل لا يستحق ظله .. أبدا ً ..!!
تساءلت بعيون تحملق بين الوجوه الكابية المنحنية فوق المكاتب والمدفونة بين الأوراق ..
- ماذا لو تظاهرت الظلال ذات يوم .. مطالبة الناس أصحاب الصور الملونة بحقوقها في أسماء وبطاقات هوية وجوازات سفر وتكوين مجتمعات خاصة بها .. لا تعرف الحقد والخوف والصراع والخيانة .. ولا تخشى ما نخافه .. بعيدا ً عن شرور الإنسان وعوالمه البغيضة النابضة بالحقد ..؟
نهضت من مكاني مقهورة .. متمردة .. تحركت متباعدة .. صرخ الصوت الكريه ..
- إلى أين ..؟
لم ألتفت ناحيته .. كان ظلي يسابقني بحرية وفرح .. كأنه كسر القيد .. وخرج إلى الحياة .. بعيدا ً عن عتمة الناس في هذا المكان العطن ..!!
عند الظهيرة ..
مشيت أنوء بخاطرتي الملحة ..
عبرت الطريق جنازة ..
خاشعة توقفت أتأمل الناس .. والأشياء في ذلك الوقت .. كأن الشجيرات تنحني فوق ظلالها .. كأن ظلال الأشياء تستكين بخشوع متألم .. ملهوفة .. بحثت ببصري عن ظل الميت ..
-لا بد أن يرافق شريك عمره إلى مثواه الأخير ..!!
نقبت نظراتي كل الوجوه ..
- ربما يشارك حملة التابوت ..!!
كانوا جميعهم بملامح حزن متوحدة .. بحثت عن وجه بدون ملامح .. فتشت طويلا ً عن ظل بدون ملامح بين الأجساد التي تحمل التابوت .. لكنني لم أعثر عليه .. نكست رأسي حزينة متألمة ..
- حتى الظلال خائنة ..!!
بدأت أمشي في جنازة أملي ..
وفوق الأرض .. لمحت تابوت الظل .. يرافق صاحبه ..!!
صرخت مبتهجة ..
- إنه هو .. إنه هو ..!!
التفتت الوجوه ناحيتي .. خجلة تراجعت ، تصفق بين جوانبي أجنحة فرح صاخبة .. فهمت لحظتها أن الظل لا يحيا بعيدا ً عن صاحبه .. ابتسمت منشرحة .. تشرق في أعماقي لحظات أمل ..
رفعت رأسي متحدية ..
- لن أفقد قوتي أبدا ً .. مادام الظل وفيا ً إلى هذا الحد .. ولا يعرف الخيانة ..!!
لكنني توقفت .. متسائلة ..
وجأر في أعماقي صوتها ..
- يقولون إن الرجل هو ظل المرأة ..!!
- كنت أسمع كثيرا ً أن الرجل ظل المرأة ..!! أي إنه قوتها .. لكنني لم أفهم حتى الآن .. ماذا تسمى المرأة .. بالنسبة للرجل ..؟
نظرت ناحية ظلي .. بحب ..
- لن تتركني يا ظلي الحبيب .. لن تتركني أبدا ً ..!!
تابعت طريقي ..
أرقب رجلا ً يعبر الرصيف .. مصطحبا ً ظله .. اخترق ظله في ثانية ظلا ً آخر يتحرك في مواجهته ..
- يا إلهي ..!!
تأهبت لعراك أكيد .. جاحظة البصر في انتظار الصراع ولكن الظلال أدهشتني .. لأنها ظلت هادئة مسالمة ..
وفي ثانية أخرى تصادم الرجلان .. وقفا يتنازعان .. تتفجر من عروقهما شظايا غضب .. لاهبة استدارت الظلال الصامتة .. المسالمة .. متوحشة .. ملبدة بالشر .. كي تبدأ هي الأخرى عراكها المستعر
هتفت متمنية ..
- لو كان الظل هو الأصل ..!!
- نحن لسنا أكثر من صورة سلبية .. للحياة ..!!
- لمَ يقولون بأن السلب المعتم هو الظل ..؟
يتبع ....
دمعة في زايد