منتديات أبعاد أدبية - عرض مشاركة واحدة - بابلو نيرودا / Pablo Neruda
عرض مشاركة واحدة
قديم 11-05-2014, 01:44 PM   #47
عماد تريسي
( أديب )

الصورة الرمزية عماد تريسي

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 16

عماد تريسي جوهرة في الخامعماد تريسي جوهرة في الخامعماد تريسي جوهرة في الخامعماد تريسي جوهرة في الخام

افتراضي





أنشودة العرس


هل تذكرين يا حبيبتي

حين وصلنا أخيرا

وسط الشتاء

إلى الجزيرة؟

كان البحر يرفع الينا

كأسا من البرد

وكانت عرائش اللبلاب

تهمهم على الجدران

وتُسقط أوراقا عتماء

في خطى طريقنا

وكنتِ أنت أيضا

ورقة صغيرة

ترتجفين فوق صدري

وقد أطاحت بكِ رياح الحياة

إلى ذلك الموضع.

ولم أركِ في بادئ الأمر

لم أعرف أنكِ تسيرين إلى جواري

وأتحدث مع خيوط دمى

وتكلمتُ من خلال فمي

وازدهرت معي.

هكذا كان حضوركِ الغافي

ورقة أو فننا خفيا لا يُرى

وعَمَر قلبي فجأة

بالثمار وبالأصوات.

وسكنتِ البيت

الذي كان ينتظركِ قاتما

فأضأتِ المصابيح عندذاك.

هل تذكرين يا حبيبتي

خطواتنا الأولى في الجزيرة؟

كانت الأحجار الرمادية تعرفنا

وزخات المطر

وصيحات الريح في الظلال

ولكن النيران كانت حديثنا الوحيد

فقد احتضنا إلى جوارها

الحب الشتائي العذب

بأذرعنا الأربع

ورأت النيران

قبلتنا العارية

تتنامى حتى تصل إلى النجوم الخفية

ورأت مولد الألم وموته

كالسيف المحطوم

على صخرة الحب الذي لا يقهره قاهر

أتذكرين.

يا من تنامين في ظلي،

كيف كان الحلم

يتطاول فيك

من نهديك العاريين

مفتوحا بقبتيه التوأمين

تجاه البحر

تجاه رياح الجزيرة

وكيف كنت أنا أبحر في أحلامك

طليقا

في البحر وفي الرياح

وكنت مع ذلك مقيدا غاطسا

في اتساع زرقة عذوبتكِ؟

آه أيتها العذبة

يا عذبتي.

لقد غيّر الربيع جدران الجزيرة

وانبجست زهرة

كقطرة الدم البرتقالي

وعندها

أطلقت الألوان كل أثقالها الصافية

واستعاد البحر شفافيته

وأبرز الليل في السماء

عناقيده

وها هي كل الأشياء تتهامس

باسم حبنا

حجرا حجرا،

نطقت اسمنا وقبلتنا

وتجاوبت الأصداء في الجزيرة

ذات الصخور والطحالب

في خفايا كهوفها

كالأغنية في ثغرك

والزهرة التي ولدت

بين ثنايا الحجر

نطقت بحروفها الخفية

وهي تخطر متمايلة

اسمكِ النباتي المتوهج

والصخرة المدببة

المرفوعة كجدار العالم،

عرفتُ أغنيتي

يا حبيبتي الغالية

وتحدثت الأشياء جميعا

بحبك، بحبي، يا حبيبتي

لأن الأرض والزمن والبحر والجزيرة

والحياة والمد

والبذرة التي تفتح شفاها

في أعماق الأرض

والزهرة المفترسة

وحركة الربيع

كلهم يعرفوننا

لقد ولد حبنا

خارج الجدران

في مهب الرياح

في سكون الليل

في أعماق الأرض

ولهذا

فإن الصلصال والزهرة،

الطين والجذور،

تعرف اسمكِ

وتعرف أن فمي

قد انطبق على فمكِ

لأننا قد بُذرنا سويا في الأرض

ونحن فحسب لم نعرف ذلك

وأننا ننمو سويا

ونزهر سويا

ولهذا

فحينما نعبر

يكون اسمك مسطورا على أوراق الوردة

التي تنمو وسط الصخور

واسمي مكتوب في المغارات

إنها تعرف كل ذلك

ليس لدينا أسرار

لقد نمونا معا

ولم نعرف ذلك.

إن البحر يعرف حبنا،

وصخور المرتفعات الصخرية

تعرف أن قبلاتنا

قد أزهرت في صفاء لا حد له،

حين يطل فم قرمزي

من بين ثناياها

مثل حبنا

والقبلة التي توحد بين فمي وفمكِ

في زهرة خالدة

أي حبيبتي،

إن الربيع الجميل

والزهور والبحر

تحيط بنا

ولكننا لا نبادل بها شتاءنا

حين بدأت الرياح

تفك شفرة اسمك

التي تردده اليوم

مراراً وتكراراً

حين لم تكن أوراق الشجر تعرف

أنك ورقة شجر

حين لم تكن الجذور تعرف

أنكِ تبحثين عن صدري

حبيبتي، حبيبتي

إن الربيع

يقدم لنا السماء

بيد أن الأرض العتماء

هي أسمانا

إن حبنا

ينتمي للزمن كافة وللأرض كافة

حين يحب أحدنا الآخر

وذراعي تحت رقبتك الرملية

ستنتظر

إذ الأرض والزمن يتغيران

في الجزيرة

إذ تسقط أوراق الشجر

من التعريشات المتسلقة الصموت

إذ يرحل الخريف

من النافذة المحطومة

ولكننا سننتظر صديقنا

صديقنا ذا العينين الحمراوين

النيران

حين تهز الريح مرة أخرى

أطراف الجزيرة

ولا تعرف اسم أي أحد

وسيبحث عنا الشتاء

يا حبيبتي

سيبحث عنا دائما

لأننا نعرفه

أننا لا نخشاه

لأن معنا النيران

دائما،

معنا الأرض

دائماً،

معنا الربيع

دائماً،

وحين تسقط ورقة من التعريشات

تعرفين أنت يا حبيبتي

أي اسم مسطور على هذه الورقة

إنه اسم لكِ ولي

اسم غرامنا

كائن واحد

السهم الذي اخترق كبد الشتاء

الحب الذي لا يُقهر

نيران الأيام

ورقة سقطت في صدري

ورقة من أوراق شجرة الحياة

أقامت لها عشا

وغنّت

ومدت لنفسها جذورا

وأثمرت زهورا وفاكهة.

وهكذا ترين،

يا حبيبتي

كيف أمشي في الجزيرة

في الدنيا

واثق الخطوة في وسط الربيع

مجنونا بالنور في وسط البرد

أمشي بهدوء وسط النيران

أحمل ورقة زهرك بين ذراعي

كما لو كنت

لم أمش قط دونك

يا روحي

كما لو كنت

لم أعرف المشي قط إلا معك

كما لو كنت

لم أعرف الغناء

إلا حينما تغنين

*

ترجمة: ماهر البطوطي

من ديوان أشعار القبطان



 

التوقيع

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

عماد تريسي غير متصل   رد مع اقتباس