:: صديقنا اللدود ::
الوقت:
كذبةُ الرَّمل،
وخدعةُ الظلِّ،
وحيلةُ بائع الساعات الذي ينجحُ - دائمًا - في إقناعنا بشراء الوهم،
ولعبةُ الأطفال التي نُحاول كسرها كي لا يتقدَّم بنا العمر؛ فلا تنكسر،
والقيدُ الذي يُزيِّنُ معاصمنا ونحن نقفزُ في الهواء فرحًا بحرِّيتنا، أو ونحن نتأنَّق - على عجل - لموعد غرامي مُفاجئ، ونجتهدُ في إخفاء شعرة بيضاء ظهرت بغتة في رؤوسنا قبل الموعد بدقيقة واحدة.
الوقتُ الذي يمرُّ مُختالًا كالطّلقة، ويقطعنا كالسيف، ويُرافقنا - وهو يُربِّتُ على أكتافنا - إلى مواعيد الانتظار؛ ثمَّ في طرفة عين؛ يتخلَّى عنَّا، ويتنكَّرُ لنا؛ مُتعلِّلًا بارتباطه بموعد آخر، مع مقعدٍ آخر.
الوقتُ الذي ينصحنا بالانتظار ولا ينتظر، وبالصبر ولا يصبر، وبالتأنِّي ولا يتأنَّى، وإنْ استعجلناه لا يتعجّل، أو استبطأناه لا يأتي، أو استبقيناه لا يبقى، أو استثقلناه لا يرحل، وإنْ ضقنا به ذرعًا جَثَمَ كالهَمِّ على صدورنا.
الوقتُ الذي نستأمنه على أعمارنا فيسرقها، وعلى أجسادنا فيستهلكها، وعلى قلوبنا فيحرقها، وعلى أرواحنا فيُفنيها، وعلى ذكرياتنا فيمحوها، وعلى أحبائنا فيقلبهم علينا.
الوقتُ الذي يقرأُ جريدة اليوم قبلنا، ويُعدُّ فنجان القهوة معنا، ويحضِّرُ حقيبة السفر لنا، ويغلقُ باب البيت خلفنا، ويستوقفُ عربة الريح لتُقلّنا إلى الغربة، ويحرسُ البيتَ بعدنا، ويكونُ معنا، وفي وداعنا، وفي استقبالنا، ثمَّ يحضرُ بنفسه مراسم دفننا، ويتقبَّل العزاء فينا، وهو يتصفَّحُ صُحف الغد كلّها، ويطالع (باهتمام بالغ) صفحات: المواليد، والأموات، والمناسبات، والحوادث، والحروب، دون أن يعرّج – كالعادة - على صفحات الأدب كي لا يضيِّع الوقت.
الوقتُ الذي لا تنفكُّ عقاربه تلسعنا، وثوانيه تجلدنا، وينفدُ منَّا؛ مع أنَّنا لا نمتلكُ فيه أو منه شيئًا، وكلما حاولنا قتله قتَلَنَا، ولا يزال يستمتعُ بقتلنا، حتَّى نقتله؛ فنموت.
***
محمد البلوي
يتبع ...