المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حياة لم تكتمل


منذر أحمد العاتي
05-21-2015, 01:43 PM
قالت : يا ربيعي ، أتحب الحكايا ؟
قلت : نعم ، فقد كانت تحيكها لي جدتي فأنام على أهدابها.
-لا ، تلك ليست حكايا ، بل سمفونيات تعزفها أنامل الليل ليغري النوم
إن الحكاية ليست من تنسج فارسا يقتل ملك العدى في آخر سطر ، أو إلفين يتحطم قاربهما على شاطئ الهوى نهاية الحبر ، إن الحكاية موعظة تبني نفسها على أنقاض الواقع، إبحارا في محيط الفكر بلا قارب .
-أنت تفلسفين الأمور ..
رمقتني عينها بحنان ،قائلة دعك من هذا ...
أمسكت يد الصمت أنفاسنا برهة ، ثم مررت يدها على شعري برفق ، تسألني :
هل تعلم ما الموت ؟
- يا أغنيتي ماذا حل بك اليوم ؟
تغرقين الكلام ...
- إني ذكرت حادثة وقعت منذ مدة طويلة لإحدى الفاتنات، قرأت عنها ذات عشية، فانحنى لها دمعي حزنا
- يا وردتي ، ماذا حصل ؟ أرى البياض يدب في عينيك
-دفنت وهي منهمكة في تلوين لوحتها الزيتية .
-وهل تتم مراسم الدفن قبل الموت ؟؟ ، ألا تفصحين فتكفي ليلي الولهان مؤونة الجري خلف... الألغاز.
-لا ، ليست لغزا، بل مأساة حياة لم تكتمل ،نشأت على ضفاف نهر ، في قصر سندبادي ، تحترف كل قصات الشعر ،المكياج ، الخطاب لا يبرحون بابها ،كانت مغرورة كغيرها من محدثي النعمة ،صدقت وعود الدنيا الزائفة ، فتشبثت بأسمالها تحسبها متينة ، ولكن المسكينة لم تكن تدري أن من يكثر بناء الوعود هو أكثر الخلق هدما لها ، هذا ما برهنه ما كان مختبئا خلف أوراق التقويم
بين رحيل شمس ، وقبل عودتها ،انهارت الوعود على إثر أول رياح الخريف ، كان سقوطا مدويا ،يغلق الأصم أذنيه ؛ لفرط وقعه ، قتلت الألوان، وصبغ الرمادي المشهد .
تحطمت الدنيا بين يديها في لحظة، تشظت أشلاء مترامية محروقة دون هوية ، كهذيان المخمور .
-سكتت ،وقد أطرقت رأسها ..،قلت لها : لماذا سكت ؟
- وماذا أكمل ؟
-ماذا حدث بعد ذلك ؟
-ماذا حدث ؟؟ ، بل قل ما الذي لم يحدث ؟
سفينة قتل ربانها في عرض البحر، يلهوا بها الموج
حتى شتت أهلها، وكسر شراعها ،وأبلى لوحاها .
فهي اليوم عبارة عن لا شيء.....
فقط ، بقايا عجوز أوغلت في السفر ، ضاعت منها نفسها في زحمة الركام ، فاهترأت بحثا عنها . تطيل الجلوس في شرفتها المهترئة ، يزورها الماضي كثيرا حتى صار لها نديما ، تتكئ في حجره ،تَقْرِضُ الشعر، تَرثي أيامها ، فلا تنتهي إلا وقد بللت عبراتُها أسمالَه .

نادرة عبدالحي
05-25-2015, 12:42 AM
لغة الحوار في العمل الأدبي تبرز عمق القضية المطروحة وتجعلها قريبة جدا من المتلقي أو القارئ
لانها لغة قريبة من حياتهُ اليومية ....فمثل هذا الحوار الذي أمامنا هو أحد الأساليب الإبداعية التي
تأخذ القارئ إلى رحلة فكرية تأملية والقارئ بدوره يستطيع تحويلها لعرض يمكن مشاهدته بذهنه
وأخذ العبر منها ...
الأخ منذر أحمد العاتي
سلم فكرك المضيئ
ودمت بألف خير

عبدالإله المالك
05-25-2015, 06:08 PM
حييت يا منذر

بوح رائق

:)

بلقيس الرشيدي
05-25-2015, 07:35 PM
سَردٌ رائِع وكلِمات أوصَلت مُعاناة حقِيقيَّة لِأعماقِنا بإبداع !
سَلمت يمِينك يامُنذِر . كُل التقدِير

http://www.albrens.com/vb/uploaded/4563_1251393963.gif (http://www.albrens.com/vb/uploaded/4563_1251393963.gif)

رشا عرابي
05-28-2015, 08:14 AM
لله أنت !
حِواريّةً تُحيكُ من الألفةِ لوحات نبض
ومن الحِكمة فضاء تأمّل

بورِكتَ يا منذر
وتابِع بالله ، فإنّك لهذا النسُق مُجيد

تحايا عِطرها احترام
:icon20:

منذر أحمد العاتي
05-28-2015, 04:34 PM
الأستاذة نادرة ،،
مرور طيب ،شكرا لمشاركتك
أسعد الله أيامك

منذر أحمد العاتي
05-28-2015, 04:35 PM
الأستاذ عبد الإله :
شكرا لمرورك
طيب الله أيامك .

منذر أحمد العاتي
05-28-2015, 04:38 PM
الأستاذة بلقيس :
شكرا على المرور والمشاركة
أدام الله عليك الصحة والعافية .

منذر أحمد العاتي
05-28-2015, 04:40 PM
الأُستاذة رشا :
شكرا لمشاركتك ، فآراكم تهمنا ، بها نرتقي
أسعد الله أيامك