ا لــعــد ل
أمر الله سبحانه وتعالى بالعدل ، قال تعالى: [ إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ] "النحل : 90 "
العدل ميزان الله في الأرض الذي يؤخذ به للضعيف من القوي والمحق من المبطل ., قال: صلى الله عليه وسلم [ ثلاثة لا ترد دعوتهم الإمام العادل , والصائم حتى يفطر, ودعوة المظلوم تحمل على الغمام وتفتح لها أبواب السماء ] .
ويقال : عدل السلطان أنفع من خصب الزمان .
وسأل الإسكندر حكماء أهل بابل , أيما أبلغ عندكم , الشجاعة أم العدل ؟ قالوا: إذا استعملنا العدل استغنينا عن الشجاعة .
ويقال : إن الحاصل من خراج العراق زمن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان مائة ألف ألف وسبعة وثلاثين ألف ألف ,فلم يزل يتناقص حتى صارفي زمن الحجاج ثمانية عشرة ألف ألف .
فلما ولي عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ارتفع في السنة الأولى إلى ثلاثين ألف ألف , وفي السنة الثالثة إلى ستين ألف ألف , وقيل أكثر , وقال إن عشت لأبلغنه إلـى مـا كـان في أيام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
مات بعض الأكاسرة فوجدوا له سفطاَ , ففتح فوجد فيه حبة رمان كأكبر ما تكون من النوى ، معها رقعة مكتوب فيها " هذه من حب رمان عمل في خراجه بالعدل " .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : إن ملكاَ من الملوك خرج يسير في مملكته متنكراَ فنزل على رجل له بقرة تحلب قدر ثلاث بقرات , فتعجب من ذلك وحدثته نفسه بأخذها , فلما كان من الغد حلبت له النصف مما حلبت بالأمس ,
فقال له الملك : ما بال حليبها نقص أرعت في غير مرعاها بالأمس ؟ فقال : لا ولكن أظن أن الملك رآها أو وصله خبرها فهم بأخذها , فنقص لبنها , فإن الملك إذا ظلم أو هم بالظلم ذهبت البركة .
وقيل : الناس على دين ملوكهم , وروى أصحاب التواريخ والسيّر في كتبهم قالوا كان الناس إذا أصبحوا في زمان الحجاج يتسألون إذا تلاقوا من قتل البارحة ومن صلب ومن جلد ومن قطع رأسه وما أشبه ذلك .
وكان الوليد بن هشام صاحب ضياع واتخاذ مصانع فكان الناس يتسألون في زمانه عن البنيان والمصانع والضياع وشق الأنهار وغرس الأشجار.
ولما ولي سليمان بن عبد الملك وكان صاحب طعام ونكاح فكان الناس يتحدثون ويتسألون في الأطعمة الرفيعة ويتغالون في المناكح والسراري ويعمرون مجالسهم بذكر ذلك .
ولما ولي عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه كان الناس يتسألون كم تحفظ من القرآن وكم وردك كل ليلة وكم يحفظ فلان وكم يصوم وما أشبه ذلك , ولهذا قيل : إن مثله كمثل السحاب التي يرسلها الله تعالى بشراَ بين يدي رحمته فيسوق بها السحاب ويجعلها لقاحاَ للثمرات وروحاَ للعباد .
كتب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لما ولي الخلافة إلى ابن أبي الحسن البصري , أن يكتب إليه بصفة الإمام العادل , فكتب إليه :
اعلم يا أمير المؤمنين أن الله جعل الإمام العادل قوام كل مائل وقصد كل جائر وصلاح كل فاسد وقوة كل ضعيف , ونصفه كل مظلوم ومفزع كل ملهوف.
الإمام العادل يا أمير المؤمنين كالراعي الشفيق على إبله الرفيق الذي يرتاد لها أطيب المراعي , ويزودها عن المراتع المهلكة ويحميها من السباع ويكنفها من أذى الحر والقر.
الإمام العادل كالأب الحاني على ولده , يسعى لهم صغاراَ , ويعلمهم كباراَ , يكسب لهم في حياته ويدخر لهم بعد مماته .
الإمام العادل ياأمير المؤمنين كالأم الشفيقة البرة الرقيقة على ولدها حملته كرهاَ ووضعته كرهاَ وربته طفلاَ , تسهر بسهره وتسكن بسكونه , ترضعه تارة , وتفطمه أخرى , وتفرح بعافيته , وتغتم بشاكيته .
الإمام العادل يا أمير المؤمنين , وصي اليتامى وخازن المساكين , يربي صغيرهم ويمّون كبيرهم
الإمام العادل يا أمير المؤمنين , كالقلب بين الجوانح , تصلح بصلاحه وتفسد بفساده .
الإمام العادل يا أمير المؤمنين هو القائم بين الله وبين عباده , يسمع كلام الله ويُسمعهم , وينظر إلى الله ويريهم , وينقاد إلى الله ويقودهم , فلا تكن يا أمير المؤمنين فيما ملكك الله كعبد ائتمنه سيده واستحفظه ماله وعياله فبدد المال وشرد العيال فأفقر أهله وفرق ماله.
بتصرف من كتابنا :" سياحة في عالم الفكر والأدب"