رسائل النسيان 2 :قيامة الحياة .
إلى من ظننته عابر سبيل في وجودي ، فكان لي الوجود و كل ما سواه ظل عابر.
سلام الله على قلبك ذاك القلب الذي سلب من قلبي السلام ، و أشعل فيه فتنة لا تنام .
إليك أكتب رسالة النسيان الثانية ، بعد أن سلخ أجيج اللهفة جَلَدِي فباح الصمت بما حَرمته شريعة الغياب .
أما قبل :
لا علم لي من أين أبدأ ، أأبدأ من النسيان الذي كلما اغترف من ذاكرة عشقك اتسعت ؟!
أو أبدأ من لجة الشوق ، التي كلما احتدت تساقط الليل من عيني يروي نهار الخد ،
فتنبت من كل شامة سنبلة حلم حزين.
ثم إنه ليس لديما أطرفك به سوى أن الخريف اجتاحني فبدأت أوراقي بالسقوط.
الشوارع ، صاخبة بالصمت ، و الحانات باتت سرادق عزاء دائم يرتشف روادها
فناجين المرارة و يتناقلون أخبار الموت الساخنة مع رشة لا مبلاه وتبلد.
أما أنا فقد غدوت كما فراشة تهالكت أجنحتها و بهت لونها
و تود لو تتشرنق حول ذاتها من جديد .
أقف على قارعة الأيام أتأمل الكون من حولي في ذهول ، كما عمود إنارة وحيد ،
يتأمل ما يرتسم من خيبات على وجوه العابرين .
أما بعد :
فإني ما وجدت في البُعْدِ بَعْدْ ، أستحضر الآن إجابتك يوم سألتك ماذا بعد الحب ؟
فقلت: يا قيامتي ليس بعد الحبِ بعد ، إنه قيامة الحياة
مستقر في جنة القرب أو في جحيم الاغتراب .
و ها أنا أكتب لك من وسط الجحيم ، أشتاق إليك .
و الكتابة إليك تحت وطأة هذا الشوق كما الاعتراف تحت وطأة التعذيب ،
كلاهما انتهاك لحقِ الإنسان في الصمت حسب المواثيق المتفق عليها دوليا ،
و المطلقة ثلاثا عربيا!فهنا ليس لديك الحق بالصمت و لا حتى بالكلام !
هنا ، حيث السنوات تأتي كما حاصدٍ ، يحصد سنابلنا الخضر حصدا بلا رأفة ،
غير مبالٍ بأنها مازالت غضة ..
لم تنضج بعد لتحتمل مفارقة جذورها التي تمدها بسبل الحياة.
هنا حيث اغتصب الشيب روح الطفولة و أضاع الطيش وقار الكهولة .
هنا حيث الحرب أم الجميع شيبت بالهم الصغار و صغرت بالعار الكبار.
و قد تعلمت من أم الجميع ..
أن هذه الأوطان التي خلقنا فيها ، و حملنا هويتها ، بدون حول منا و لا قوة ،
تتلقفنا من رحم أمهاتنا ، لتضعنا بين كفين إما كف القيد أوكف الغربة .
و ليس القيد هنا أغلال من حديد تطوق يدك بل إنها أفكار إلزام أن تطوق عقلك .
و ليست الغربة هنا يا عزيزي أن تتشرد على قوارع الحدود
بل أن تكون جسدا هائما في ربوعها بلا وجود .
و أنت يا قيامتي كنت مجرد وطن كما أي وطن ،
الحياة في ربوعك ما هي إلا دعوة أنيقة للموت .
أما أنا فاخترت دعوة الموت الأنيقة للحياة!!
و لأجل ذلك فررت من ربوعك ولجئت إلى أرض النسيان
حيث يقال أنها أرض عقيمة لا تنجب شوقا ..و أنها كريمة إذ تأخذ مواجعنا و تطعمنا بعض من ثمرها
فنكون بعدها خلق جديد ، أنقياء من كل سوءات الذاكرة.
كنت قد آمنت بهذه المقولة التي أدركت لاحقا أنها كما كل حياتنا مجرد خرافة و إشاعة ،
يطلقها رعناء حب أجوف.
و مذ التهمت ثمر تلك الأرض الكاذبة ، حُكِم علي بالنفي من الجحيم إلى الجحيم ..
عارية من نفسي أخصف علي من سواد المحابر ما يواري سوءة قلبي لكن هيهات هيهات .
ف كما كانت الشجرة غواية آدم التي نفته من الجنة ..كنت أنت غوايتي التي نفتني من الحياة .!
فكيف أنت؟
أيها البعيد عني بقدر حلم يستوطن أحضان نجمه ، القريب مني بقدر طَلٍّ يستوطن خد زهره .
أما زال ذاك الحزن قائما فيك لا يفارقك ؟
أمازلت تغتال كفوف النورالتي تهبك الأمل ..و تقلد غربانك و خفافيش خيباتك نياشين الفخر و البطولة..
و تعلق نكساتك على جدران معابدك العتيقة الخاوية من رسومات الإنجازات المبهرة ؟
أمازلت غارقا في إفكك ، أن مجدك مذ الأزل قائم فلا يضيرك الهزائم الجديدة ..
متدثر بغرورك الذي مزقنا و بعثرنا و كتب على خرائط الحب هنا وطن الشتات؟!
اترك عنك طوفان فضولي السابق و أجبني فقط : أكنت بخير من دوني؟!
فإني بعدك كنت كما الطير الشريد الذي باغته المطر ..
فسقط من عالي سماه ..
بعد أن أثقل أجنحته البلل ..
يرتجف بردا ويتوق لدفء أحضان الشجر.
هذه حالي باختصار أحبك و أبغضك لأني أحبك و لكنك وطني ..!
فهل من سبيل لنتبرأ من أوطاننا و إن قتلتنا يا هواي هذه الأوطان.؟!
في الختام يا من تكره الختام :
لا يأفك بك الظن أن الحرف هنا لإحياء ما قد دفن حياً ، لا وربك ..
لكنِّ بهذه الحروف المبتورة الوصل ، أقتلعك عنوة من قلبي
و أشيع هذا العشق إلى مثواه الأخير .
فما هذه السطور إلا قبور الكلمات و ما الكلمات إلا أكفان الشعور ،و ما في الموت فناء بل إنه عين الخلود .
ف إلى حين اختناق صمت أرجوه بعيدا بقدر ما ترجوه أنت قريبا ، كن بخير لأجلي . نور
مسائكم/صباحكم
كما تشتهون آل أبعاد
الحرف هنا
مصافحة أولى
أتمنى أن يرقى سماء الذائقة
و يستحق وقتكم المستقطع للقراءه
تقديري /نور